الصفحة التالية                  الصفحة السابقة

المقامية العربية 1
الأصول والتطورات

 

أ. د. محمــود قـطَّـاط

 

الوحدة والتنوع في التراث الموسيقي العربي

من مميزات التراث الموسيقي العربي، اتساع رقعته الجغرافية وتنوع روافده التاريخية والثقافية، مما أوجد عددًا وافرًا من القوالب والأساليب المحلية، تتنوع حسب ثقافة الأصل، ومدى تفاعلها مع العناصر المكونة للحضارة العربية الإسلامية خلال مراحلها المتتالية. تتجلى مميزات هذا التراث، في نقطتين أساسيتين:

-       تفصح الأولى عن خاصيات محلية، تبرز ملامحها في الرصيد الشعبي بحلل زاهية تتنوع بتنوع الخصوصيات الاجتماعية، والعرقية، والجغرافية، والتاريخية، التي يتشكل منها العالم العربي الإسلامي المترامي الأطراف.

-       تكشف الثانية عن وحدة شاملة تتخطى الحدود القومية، تبلورت عناصرها وتطورت داخل إطار الرصيد الكلاسيكي - مجال دراستنا هذه - مستمدة طابعها المميَّز، من الروح الإسلامية واللغة العربية؛ ومما أضفته عليها الخاصيات المحلية من تطعيم وإثراء على مرِّ العصور.

وحدة شاملة، تكونت من خلالها تقاليد موسيقية عدة، قبل أن تتداخل وتتكامل لتصل أوج ازدهارها فيما يمكن تسميته بـ "التقليد الموسيقي الكبير" والذي أفرز بدوره مجموعة من الأساليب والمدارس هي متماثلة ومتباينة في نفس الآن[1]. فعلاوة على المدرسة العربية، توجد:

-       المدرسة التركية المغولية: تركيا والمناطق الشرقية باليونان، جزء من قبرص، وألبانيا، وبلغاريا، وتشيكوسلوفاكيا، ويوغسلافيا، بما في ذلك البوسنة وجمهوريات آسيا الوسطى، أوزباكستان-طاجاكستان.

-       المدرسة الإيرانية: إيران، بلدان القوقاز الممتدة إلى أذربيجان، أفغانستان، والمناطق الواقعة على الحدود الباكستانية-الإيرانية.

-       المدرسة الهندية-الصينية: الهند الشمالي، باكستان، بنغلادش، منطقة سين ديان الصينية، اندونيسيا، جزر المالديف، بروني، ماليزيا وغيرها من مناطق آسيا وأوقيانيا.

-       المدرسة الأفريقية، وتشمل المنطقة الإسلامية: السنغال، النيجر، تشاد، مالي، غينيا، جامبيا، جزر القمر... بالإضافة إلى جزء من ساحل العاج، ونيجيريا، وأنغولا وأثيوبيا وغيرها من مناطق القارة الأفريقية.

-       أما المدرسة العربية، فهي مع ارتباطها أصلاً بمدى انتشار التأثير اللغوي، تشمل التراث الموسيقي المتداول عزفًا وغناء وسماعًا وتذوقًا، لدى الإنسان العربي داخل الوطن وخارجه، وذلك بصرف النظر عن انتمائه العرقي أو الديني أو مكان إقامته. موسيقيا يتفرع هذا التراث إلى المناطق/المدارس التالية:

المغاربية: المغرب الأقصى، الجزائر، تونس، ليبيا.

المصرية-الشامية: مصر، فلسطين، الأردن، لبنان، سوريا، شمال العراق.

الخليجية: جنوب العراق، العربية السعودية، البحرين، الإمارات العربية المتحدة، الكويت، قطر، عُمان، اليمن.

العربية الأفريقية: السودان، موريتانيا، مع الصومال وجيبوتي.

عمليًا، تتضح ملامح هذه المدارس من خلال أساليب الأداء كالتي نلاحظها مثلاً، في النماذج المتنوعة لإلقاء الآذان وترتيل القرآن الكريم وتجويده؛ وكذلك، في هيكلة قوالب الرصيد الكلاسيكي والتي تعود تاريخيًا إلى ما كان يعرف بـ "النوبة الغنائية". فالنوبة كأثر فني لـ "التقليد الموسيقي الكبير" الذي أفرزته الحضارة العربية الإسلامية في عصرها الذهبي، تشكل نموذجًا موسيقيًا متكاملاً عم استعماله مختلف مراكز البلاد العربية الإسلامية بالمشرق والمغرب والأندلس، وهو لا يزال شامخًا إلى اليوم - كما سنبين لاحقًا.

***

العود آلة مرجعية للمقامية العربية[2]

كان ظهور الإسلام في القرن السابع الميلادي، إيذانًا بصحوة كبرى في شبه الجزيرة العربية، ثم المنطقة الإسلامية الواسعة، نشأ في رحابها، فن جديد تسانده عقيدة ولغة، امتاز من بين جميع الفنون، "بطابعه الكوني الموحد في أصوله والمتنوع في روافده". وقد مكنته قدرته التأليفية الفائقة من التطور والازدهار داخل "وحدة جمالية متكاملة" مستوعبًا على مر العصور، مختلف الأنماط الفنية المكونة لتراث الشعوب الإسلامية المنتشرة على رقعة هائلة الامتداد، دون أن يسعى إلى طمس شخصيتها، بل نراه يفتح لها طريق الإبداع والعطاء، في سياق "خط جمالي ناظم وموحد لها جميعًا"، من ذلك الموسيقى.

المدرسة التأسيسية/العودية (إبراهيم الموصلي: تـ. 802؛ وابنه اسحق: تـ 850؛ زرياب: تـ 852؛ الكندي: تـ 874)

منذ الفترة الأموية، احتل العود لدى كبار موسيقيي مدرسة مكة والمدينة ودمشق، مكانة مرموقة واستخدمه المحترفون للمسايرة، واعتمده الروَّاد الأوائل لإرساء أسس تنظير موسيقاهم باعتباره من الآلات الوترية المألوفة منذ القدم، عند الأمم الشرقية، لا تضارعها آلة أخرى في سهولة استعمالها وفخامة الأنغام الخارجة منها، ومطابقتها لأنواع الأصوات الإنسانية. وقد تُوجت هذه المكانة مع الفترة العباسية الأولى (القرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي)، حيث بلغ الفن الموسيقي عصره الذهبي في إطار المدرسة العربية القديمة/العودية[3] (حسب تعاليم إبراهيم الموصلي وابنه اسحاق، ونظرية الكندي)، ليشكل أحد أركان العلوم الرياضية وعنصرًا هامًا في الحكمة الرباعية (إلى جانب الحساب والهندسة والفلك)، وجزءًا أساسيًا في الثقافة العربية باتجاهيها: التجريدي المعتمد عل التأثير الموسيقي، أو الطبيعي الرياضي والتجريبي في نفس الآن (مع الفارابي وابن سينا)، والذي يركز أساسًا على فيزيائية الصوت وتحديد النسب[4]. في هذا الإطار صار العود باعتراف الجميع "أشهر الآلات وأثمنها"، والمرجع الرئيسي دون سواه، في معالجة الصناعة الموسيقية وشرح نظرياتها ودراسة أبعادها الفيزيائية والفلسفية والفلكية؛ حتى اعتبرت معرفة العود ونسب دساتينه "من تمام علم الموسيقي"[5]. ومن هذا المنطلق، اعتنى به الفلاسفة والمنظرون وجعلوه يحتل صفحات طويلة من مؤلفاتهم. غير أن المسائل المتعلقة بتسوية الأوتار ومواضع الدساتين، قد حظيت بالاهتمام الأوسع والشرح المستفيض، وذلك لأهميتها في تحديد النسب الصوتية للنغمات التي هي بمثابة حروف الهجاء في لغة الموسيقى، منها يتألف السلم الموسيقى وعليها تستخرج المقامات وتبنى الألحان. لقد شهدت هذه النهضة الموسيقية تطورات وإضافات متتالية، أهمها:

- المدرسة الإبداعية/الطنبورية (الفارابي: تـ 950؛ ابن سينا: تـ 1037؛ ابن زيله: تـ 1048؛ الحسن الكاتب: القرن العاشر...). اقتباس بعض المعطيات والمصطلحات الخاصة بالمنهجية الإغريقية في الكتابة عن الموسيقى، والاعتماد تطبيقيًا، على امتزاج عناصر من الموسيقى الفارسية بالنظام العربي القديم وذلك عن طريق إضافات المحدثين، وانتشار آلة الطنبور الخرساني إلى جانب آلة العود التي بقيت مع ذلك الآلة الرئيسية. ومن بين التغييرات الهامة استعمال بعض المصطلحات الفارسية ودخول السلم الخراساني بتجزيئاته [ليما، ليما، كوما أي بقية، بقية وومضة]. أما البدعة الحقيقية فإنها تكمن في استعمال إصبع وسطى الفرس التي أضيفت إلى دساتين العود بين وسطى زلزل والوسطى القديمة.

- المدرسة المنهجية/النظامية (صفي الدين: 613 - 693 هـ 1216- 1294م وأتباعه، من بينهم، قطب الدين الشيرازي: 710 هـ /1310م؛ لجرجاني: تـ. 816هـ / 1413 م؛ عبد القادر بن غيبي: تـ. 838 هـ / 1434 م؛ فتح الله الشرواني: تـ. 880 هـ /1475 م؛ عبد الحميد اللاذقي: تـ. 900 هـ / 1494 م). تواصلت عملية التثاقف والتداخل بين مختلف العناصر المكونة للأمة العربية الإسلامية (من ذلك العنصر التركي المغولي) تمخضت عنها نهضة فنية عارمة اكتملت بفضلها ملامح الفن الموسيقي فتوضَّحت مناهجه ومصطلحاته وتوطدت أركانه وقواعده.. وقد توجت مراحل التطور هذه، بفضل الجهود التي بذلت لمعالجة ما تبقى من شذوذ وأخطاء من أهمِّها مسألة السلم الموسيقي وبعض النسب المكونة له كوسطى زلزل التي ظلت - كما رأينا - لا تستقر على حال؛ وكذلك قضايا المقامية من حيث مساراتها وعلاقاتها وتسمياتها.

أوتار العود ودساتينه مصدر للنغم والمقام

الأوتار

العود القديم: تتفق المصادر على أنه في الأصل، كان للعود عند الضاربين أربعة أوتار مفردة، تسمى على التوالي [البم – المثلث – المثنى – الزير][6]، بينما كان النظريون - اعتبارًا من الكندي - يفترضون له وترًا خامسًا – لسهولة بحث النظرية الموسيقية في حدود طبقتين (ديوانين)، دون اللجوء إلى نقل اليد اليسرى من وضعها الأول على الدساتين – ويسمون هذا الوتر الخامس [الزير الثاني، أو الزير الأسفل، أو الحاد].

وظهر على الساحة الموسيقية، تباعًا منذ القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي، نوعان جديدان من العود:

-       العود الكامل: "أشهر الآلات وأثمنها - يقول الصفي الدين- يشد عليها خمسة أوتار مضاعفة [البم – المثلث - المثنى- الزير- الحاد]. وأما اصطحابها فهو أن تجعل مطلق كل وتر مساويًا لثلاثة أرباع (الرابعة التامة) ما فوقه، فيصير الجمع الكامل (أي ديوانين) مندرجًا فيما بين مطلق الأعلى الذي هو البم، وبنصر الأسفل الذي هو الحاد"[7]. وبالتالي، حافظ على التسوية المعهودة، واعتبروه "أشرف الآلات ذوات الأوتار"[8]... يبدو أن استعمال الوتر الخامس أصبح ممكنًا لسببين: أولاً لكبر حجم العود، وثانيًا لنزول الأوتار نحو القرار، وذلك على النحو التالي: [جعل الحاد مكان الزير، والزير مكان المثنى، والمثنى مكان المثلث، والمثلث مكان البم الذي صار أكثر غلظة].

العود الكامل عن الأدوار لصفي الدين الأرموي البغدادي (مخ. بتاريخ: 1333-1334)

-       العود الأكمل: تشير مؤلفات القرن الثامن- التاسع الهجري/الرابع عشر- الخامس عشر الميلادي، إلى أن "بعض العملة المتأخرين يشدون على ساعد هذه الآلة وترًا سادسًا ويسمونها العود الأكمل". وهو وتر مفرد، يضاف أسفل الوتر الحاد ويسوَّى على قرار ديوان الوتر الثالث، ويقوم بالتالي، بدور القرار. مما يجعل المجموع إحدى عشر وترًا، خمسة مضعفة وسادس مفرد. وربما ضعَّف البعض الوتر السادس[9]. ويؤكد مخطوط كشف الهموم تداول هذا التنوع بقوله: "أن العود أنواع بحسب عدد أوتاره: فمنه عود ذو اثني عشر وترًا ومعشَّر ومثمَّن". وهو يتضمن صورة لعازف على العود، من المرجح أنه العود الأكمل إذ تبرز منه ستة أوتار.

العود في مخطوط كشف الهموم (القرن التاسع هـ / الخامس عشر م)

الدساتين:

يتفق الجميع على أن الدساتين - الضرورية أو الرئيسية كما يسمونها - "أربعة"، وهي المنسوبة للأصابع الأربع": [السبابة – الوسطى – البنصر – الخنصر]. "فطن لها أكثر الناس واعتادها ونسبوا النغم إليها، وهي الطبيعية عند القدماء"[10]. ومع كتابات الفارابي الذي عالج مختلف الأنظمة المتداخلة في عصره، ظهرت دساتين جديدة لم تُذكر من قبل، كالمجنب بين مطلق الوتر والسبابة، والوسطى الخاصة بين الوسطى القديمة والبنصر. وهذه الدساتين المضافة تعزى إلى مجدد العود العربي منصور زلزل وإلى السلم الفارسي، وهي كلها ذات نسب متغيرة لا تستقر على حال: "منهم من ينزلها قليلاً، ومنهم من يصعدها قليلاً، فيخرج من ذلك أجناس"[11]، لذلك جاء تحديدها متباينًا حسب المنظرين. والغالب على الظن – حسب اعتقادنا - أن هذه المسافات خاصة ما ينسب منها إلى زلزل، كانت متداولة قبل الكندي لأن منصور زلزل كان سابقًا له، علاوة على كونه أستاذ اسحق الموصلي، ومن المرجح أنَّه قد استوحاها من الواقع العملي لأنها تبدو من المكونات الأساسية للمقامية العربية؛ وعدم التعرض لها في المصنفات الأولى للكندي وابن المنجم[12] تلميذ اسحق الموصلي، وإخوان الصفا، ربما يعود لكونها نسبية وغير مستقرة، وأن الهدف آنذاك كان مركزًا على معالجة "النغم التامة الكبار" وهي "سبع لا زيادة ولا نقصان.. دائرة على نفسها".

وفيما يلي، تلخيص للتطور الذي شهده عدد دساتين العود من مدرسة إلى أخرى:

- المدرسة التأسيسية/العودية (الكندي - ابن المنجم – إخوان الصفا) = أربعة دساتين رئيسية أو المشهورة، وهي: سبابة– وسطى- بنصر- خنصر [4 + المطلق = 5].

- المدرستين الإبداعية/الطنبورية = أربعة دساتين رئيسية، مع إضافة مجنبات وتنويع في الوسطى، من ذلك:

·        الفارابي: مجنب قديم- مجنب فارسي- مجنب زلزل- سبابة- وسطى قديمة- وسطى فارسية – وسطى زلزل – بنصر – خنصر [9 + مطلق = 10]

·        ابن سينا وابن زيلة: الدستان الأخير- مجنب السبابة- سبابة- وسطى قديمة/فارسية/عالية – وسطى زلزل– بنصر – خنصر [7 + مطلق = 8]

·        الحسن الكاتب وابن الطحان: المجنب– السبابة– وسطى الفرس– وسطى العرب– دستان زلزل (مهمل)– البنصر– دستان آخر (مهمل) [6 + مطلق = 7]

- المدرسة النظامية/المنهجية = أربعة دساتين رئيسية مع إضافات، منها: صفي الدين، ابن غيبي، الجرجاني[13] واللاذقي: زائد- مجنب– سبابة- وسطى فارسية– وسطى زلزل– بنصر– خنصر [7 + مطلق = 8]

من الملاحظ، أنه منذ عصر اللاذقي، بدأ عدد من الموسيقيين يستغنون عن الدساتين، ثم شيئًا فشيئًا (حسب المراجع المتوفرة)، لم تعد تستعمل في العود، لا عند العرب ولا الأتراك، ويُفترض أن غيابها يهدف إلى ترك أكثر حرية ومرونة لانزلاق أصابع العازف عند الانتقال من نغمة إلى أخرى. وهو ما يضيف أبعادًا جمالية وتعبيرية على أسلوب العزف، تتماشى مع الذوق الشرقي.

جدول مقارن للمدارس الثلاثة: الدساتين على وتر البـم (بحساب السنت والنسب)

وتــر البــــــم

دساتين العود

المنهجيّة / النظاميّة

(صفيّ الدين...)

الإبداعيّة / الطنبوريّة

(الفارابي ابن سينا)

العربيّة القديمة/ العوديّة

(الكندي  موصلي/ ابن المنجّم)

المدارس

1/1      -   0

1/1      -   0

1/1      -   0

مطلق

 

256/243 - 90

(99)

 

مجنب قديمه

(دستان أخير)

256/243  -  90

 

 

زائد

 

162/149  -   145

(139)

 

مجنّب فارسي

(مجنّب سبّابة)

 

54/49  -   168

 

مجنّب زلزل

216/310 -   180

 

 

مجنّب

9/8    -  204

9/8    -  204

9/8    - 204

سبابة

 

 

 

32/27   -  294

32/27   -  294

32/27   -  294

وسطى

وسطى قديمة /

(وسطى عالية)

وسطى الفرس

 

81/68  -   303

 

وسطى الفرس

215/309  -  384

 

27/22   -   355

(351-347- 343)

 

وسطى زلزل

81/64   - 408

81/64   - 408

81/64   - 408

بنصر

4/3  -   498

4/3  -   498

4/3  -   498

خنصر

التدوين الأبجدي والسلم النغمي:

دون التوسع هنا، في المسائل المتعلقة بالنظرية السلمية والجموع المستخرجة منها، عند المدارس المتتالية[14]، نذكِّر بأنه منذ الكندي، استُحدثت طريقة فذة للإفصاح عن النغمات، وتحديد طبقاتها بتعيين مواضعها على أوتار العود ودساتينه. قوام هذا التدوين، الأبجدية العربية بدءًا من حرف الألف المشير إلى أول درجة صوتية منخفضة (مطلق وتر البم = "المفروضة")[15]، ثم يتدرج السلم النغمي في ديوانه صعودًا، حتى حرف اللام المساوي لدرجة الجواب (سبابة المثنى)، فهو تسلسل "لوني" يتألف من اثني عشرة نغمة في الديوان، بينها اثني عشر نصف بعد غير متساوية، يرمز لها بالحروف الاثني عشر الأولى من الأبجدية، كالآتي: [أ – ب – ج – د – هـ - و – ز – ح – ط – ي – ك – ل].

وتكرر الحروف ذاتها لنغمات الذي بالكل الثاني (الديواني الثاني)، مميزًا بينها بلفظ "الأولى" و"الأوسط" و"الحادة". وبينما ينطلق الكندي من نغمة مطلق وتر البم (المفروضة) محتسبًا كامل الدرجات الكائنة داخل الديوانين (وهي ستة عشر إذا ما استثنينا الدرجات المكررة)، يبدأ اسحق الموصلي ونظراؤه "ممن جمع العلم بالصناعة والعمل"، من مطلق المثنى وهي عندهم "الاعتماد "، معتبرين بأن "النغم تسعًا"، والعاشرة "نغمة الضعف"[16]، أي أنهم يعتمدون نغمات الديوان الواحد، رافضين احتساب "نغم الأضعاف". وهذا تباين شكلي في الأساس، لأن الانطلاق من المثنى لا ينال من جوهر السلم المستعمل، بقدر ما هو يستجيب إلى مسائل تعبيرية وعملية كتعزيز العزف بين القرار والجواب، وإمكانية الانتقال بين الطبقات، وسهولة تعويض وتر انقطع وقت الحاجة. وإن كنا نرى بأن انتقاد الحسن الكاتب لهذه الطريقة، في محله، حين يقول[17]:

ليس الأمر كما ظن إسحق ومن تبعه: أن في الوترين (يقصد المثنى والزير) من النغم ما يغني عن الجملة، ونسي أنها محاكيات لنغم الحلوق، وقسمت إلى طبقتين: طبقة الصياح وطبقة الأسجاح، وقوبلت كل نغمة حادة بنظيرتها من الثقال حتى كمل اتفاقها وباتت كل واحدة من الأخرى في اللحن.

وفيما يلي، رسم بياني يحدِّد تسوية أوتار العود ومواضع الدساتين الأربعة الأساسية، حسب نظرية المدرسة العربية التأسيسية/ العودية [اسحق والكندي]؛ وبالمقاييس المتعارف عليها [الأصابع، التدوين الأبجدي، النسب، السنت، السافار والنوتة الحديثة متخذين درجة العشيران (لا) لنغمة مطلق البم]:

ويتَّبع الفارابي الطريقة ذاتها، غير أنه لا يكرر نفس الحروف في الديوان الثاني، بل يستعمل الحروف التي تليها حسب تسلسلها: [م – ن – س – ع – ف – ص – ق – ر - ش - ت - ث – خ – ذ الخ.]

بينما يتخذ ابن زيلة توجهًا جديدًا تأكد مع مدرسة صفي الدين، وذلك باستعمال هذه الحروف، لا حسب تسلسلها كحروف، بل بمعناها الحسابي كأعداد متوالية، فيبدأ التدوين بـ الألف ويتواصل مع الحروف العشرة الأولى، أي حتى الياء، كالآتي:

أ

ب

ج

د

هـ

و

ز

ح

ط

ي

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

ثم تضاف الحروف التسعة الأولى إلى الحرف العاشر:

يا

يب

يج

يد

يه

يو

يز

يح

يط

...

11

12

13

14

15

16

17

18

19

...

ثم تضاف إلى الذي عدده عشرون [الكاف = كا – كب – كج... الخ.]... وهكذا.

مع المدرسة المنهجية، تواصل وتوضح استعمال الحروف الأبجدية المفردة والمركبة لتسمية نغمات السلم الموسيقى / فالحروف العشرة الأولى: [ أ ب جـ د هـ و ز ح ط ي] ثم إضافة الحروف التسعة الأولى إلى الحرف العاشر[الياء = يا، يب، يج، يد، يه، يو، يز، يح، يط] ثم إضافتها إلى الحرف الذي عدده عشرون [الكاف = كا، كب، كج... الخ] ثم إضافتها إلى الحرف الذي عدده ثلاثون [اللام = لا، لب، لج... الخ] ثم إضافتها إلى الحرف الذي عدده أربعون [النون = نا، نب، نج، ند... الخ.]

جدول مقارن للديوان الأول في السلم المنهجي: الدساتين بحساب السنت والنسب
(مع التدوين الأبجدي، العربي الحديث والغربي)

أما فيما يتعلق بالنغم، فقد بدأ البحث، بداية من الفارابي، يتجاوز الدساتين الأساسية، ليشمل كل ما تفرزه الساحة الموسيقية، من أصوات مستقرة وغير مستقرة (درجات المجنب والوسطى الخاصة)، وتنوعت تبعًا لذلك السلالم المقترحة، قبل أن توضح وتثبت مع صفي الدين ومن جاء بعده، تجزئة الديوان إلى ثماني عشرة نغمة محصورة بينها، سبعة عشر بعدًا غير متساوية.

ولا بد من الاعتراف، أنه بالرغم من كل الجهود المبذولة، بقي التنظير في قضايا النغم والسلم الموسيقي، يتأرجح بين المثالية والواقعية في محاولة لإرساء مبادئ وقواعد الموسيقى العملية في إطار نظرية مقبولة. هذا التأرجح الذي تسبَّب في جملة من التناقضات وحتى بعض الأخطاء، يعود في نظرنا إلى طبيعة هذه الموسيقى التي تتنافى مع الضبط الدقيق والتقنين الصارم، لا شك وأن هذا كان من الدوافع التي أدت في النهاية، إلى التخلي عن دساتين العود[18]. ولا تزال أي محاولة من هذا القبيل في إطار المدرسة الحديثة، تتهاوى أمام تفاصيل الصناعة العمليَّة بتعقيداتها وحركيتها وحيويتها على الدوام.

وهذا التأرجح يبرز ضمنيًا، في مؤلفات كبار منظري الموسيقى عند محاولتهم تحديد نسب الأبعاد اللحنية، فنراهم يعطون لنفس البعد، أكثر من نسبة مما يعسر معه معرفة نوعية البعد المقصود فعلاً في تأليف الأجناس المستعملة عند أرباب الصناعة. وها هو صفي الدين، يعطينا خير شاهد على ذلك.

جدول: تعريفات صفي الدين للأبعاد اللحنية:

 

النوع الأول

النوع الثاني

النوع الثالث

النوع الرابع

بعد (ط)

(البعد الطنيني)

8/9

204 سنت

19683/22528 234 سنت

2673/3072 241 سنت

----

بعد (ج)

(أوسط الأبعاد)

11/12

151سنت

81/88

 143سنت

59049/65536 182سنت

2048/2187 114سنت

بعد (ب)

(أصغر الأبعاد)

243/256

 90 سنت

704/729

 61 سنت

32/33،

53 سنت

-------

وتأكيدًا للتنوع الحاصل في اعتماد آلة العود لمعالجة مواضع النغم، نقدم فيما يلي جدولاً مقارنًا لمختلف المحاولات المبذولة في هذا المجال [للتوضيح، نستعمل وترًا واحدًا على درجة الدو، مع تنويع المقاييس المتعارف عليها، وهي على التوالي: النسب، السنت، الكوما، السافار، تجزئة الوتر، الأصابع والنوتة الحديثة]:

جدول: نسب الدساتين حسب المدارس العربية الثلاثة

وفي إطار المدرسة المنهجية، تم تجديد وحصر عدد أنواع أبعاد ذي الأربع (العقد الرباعي) وسميت أقسام الطبقة الأولى وكذلك أبعاد ذي الخمس (العقد الخماسي) وسميت أقسام الطبقة الثانية، واستخرجت منها الدوائر اللحنية المذكورة.. كما توسع استعمال الحروف المميزة للنغم، إلى تدوين موسيقي أبجدي، مستدلاً بها على السير اللحني، وذلك بتوزيعها تحت كلمات النص الغنائي، ووضع عدد النقرات الإيقاعية تحت كل نغمة بالأرقام الهندية. فصارت الحروف بمثابة النغم والأعداد بمثابة الأزمنة، ومتى علم هذان في لحن وأشير إلى جنس نغمه وإيقاعه، أمكن إدراك الهيئة اللحنية للمقطوعة المدونة. وهكذا قدمت أقدم وثيقة مدونة وصلتنا عن الموسيقى العربية، مثال ذلك (طريقة في الرمل كواشت)[19]:

[مثال من تدوين صفي الدين: كتاب الأدوار]

[مثال من تدوين ابن غيبي: جامع الألحان]

***

أصول المقامية العربية

نظرية الأصابع والمجاري

بُذلت منذ عهد الأمويين عدة محاولات لوضع قواعد ثابتة في الفن الموسيقي. وازدادت هذه القواعد وضوحًا وانسجامًا بفضل أساتذة العصر العباسي الأول وخاصة الكندي وإسحاق الموصلي. وإن لم يكن إسحاق في مثل تضلع الكندي في علم الموسيقى واستنباط نظرياته، استطاع بالرغم من ذلك أن يخضع المدرسة العربية القديمة إلى مذهب موسيقي تطبيقي ونظري متآلف العناصر. فهو "الذي صحح أجناس الغناء وطرائقه مواصلة لجهود والده إبراهيم الموصلي الذي جنَّس الطرائق وحدد تسمياتها، وكانت قبله تعرف الطرائق بالألحان أو اللحون، فيقال: اللحن الأول، والثاني، والثالث، والرابع والخامس والسادس والسابع[20].. فصارت، تعرف الألحان بالطرائق - وذلك انطلاقًا من وظيفة كل من المطلق والأصابع - كما سنبين ذلك.

المائة الصوت المختارة:

وضع أبو الفرج الأصبهاني كتابه الجامع: الأغاني الكبير، على أساس المائة صوت المختارة - وهي أغان اختيرت للرشيد من الغناء العربي كله (من الجاهلية إلى عصر المؤلف / القرن الرابع الهجري – العاشر الميلادي) - ثم اختير منها خمسون، واختير من الخمسين عشرة، ومن العشرة ثلاثة أصوات مع الإجماع عليها، وهي[21]:

-       القصر النخل فالقصر فالجماء بينهما (ابن قطيفة / معبد: خفيف الثقيل الأول)

-       أهاج هواك المنزل المتقادم (نصيب / ابن محرز: ثقيل الثاني)

-       تَشكَّى الكُميْتَ الجري لما جهدته (ابن أبي ربيعة / ابن سريج: ثقيل الثاني)

واختاروا صوتًا واحدًا هو [أهاج هواك المنزل المتقادم] وذكروا أن طريقته لا تبقي نغمة من نغمات التلحين إلا وتوجد بها (التيفاشي).

والمائة صوت ثبتها أبو الفرج في شكل مجموعات مرفق كل منها باسم الشاعر والمغني، مع إشارات تفيد "الإيقاع" و"المقام" (وأحيانًا معلومات أخرى). مثال ذلك: [الشعر لأبي العتاهية والغناء لفريدة، خفيف الرمل بالوسطى].

فإلى جانب درجة الأساس (مفروضه/اعتماد) التي يمكن أن تستمد من نغمة مطلق الوتر أو من أحد الدساتين، يوجد عنصر أساسي آخر يحدد لنا نوعية المقام (وكان يطلق عليه اسم طريقة أو لحن أو إصبع أو طنين) وهو المجرى الذي يكون على شكلين: مجرى الوسطى ويعطينا مسافة الثلاثية الصغيرة؛ ومجرى البنصر وتستخرج منه الثلاثية الكبيرة.. أي عندما نقول مثلاً: "مطلق في مجرى الوسطى"، فإننا نعنى بذلك جمعًا أو مقامًا درجة أساسه نغمة مطلق الوتر الثالث (المثنى = نقطة البداية عند العوديين) وتسلسل خليته تحتوى على ثلاثية صغيرة.. لذلك فإن المجربين لا يتقابلان، الأمر الذي جعل ابن المنجم يؤكد بأن جميع الذي يأتلف في غناء العرب من النغمات العشر، يكون فيه الغناء ثماني نغمات تبين مذهبهم في ذلك. وشد بعض النغم إلى بعض أكثر ما يبنى عليه الصوت من النغمات الثماني كلها. فعلى هذا يأتلف نغم غناء العرب، وعليه تجرى عامة أصناف الغناء.

وقد يمكن أن يلطف الصوت حتى يكون مؤلفًا من تسع نغمات، ومن العشر نغمات كلها، وذلك ينال بتأليف لطيف، وحيلة رفيعة، وعلم بوجوه التأليف ومصارفه.."[22]. وعلى هذا الأساس، أصبح متيسرًا فك رموز نظرية الأصابع والمجاري التي يذكرها كتاب الأغاني.

وهي في مجموعها، تتلخص في ثمانية طرائق/أصابع، والتي يمكن إثباتها – تقريبًا - كالآتي:

وهذا الصنف الأول بأنواعه الثلاثة (وهو يعتمد أساسًا على الجنس الطنيني/الدياتوني، مع احتمالات لونية وتأليفية)، وهي تحاكي شكلاً اليوم: العجم والنهاوند والكردي؛ وعند المتوسطين المنهجيين: عشاق، نوى، أبوسليك. وهذا النظام النغمي للحون يتضح أكثر مع المدرسة الإبداعية/الطنبورية (القرن العاشر الهجري)، وذلك بإبراز الصنف الثاني القوي المستقيم، الذي يأخذ في الاعتبار درجتي المجنب ووسطى زلزل، أي بعد الثنائية الخاصة. مما يضيف ثلاثة أنواع أخرى، تقريبًا هي:

[ 1- 4/3 - 4/3] ، [4/34/3 – 1] ، [4/3 – 1 – 4/3].

وهو ما يحاكي شكلاً اليوم: الراست، البياتي، السيكاه؛ وعند المتوسطين المنهجيين: راست، نوروز/حسيني، عراق... ومما لا شك فيه أن مختلف هذه الأنواع كانت متداولة في المدرسة العربية القديمة/العودية، غير أنه كما سبق وأشرنا بالنسبة للمسافات، لم يتم التعرض إليها نظرًا لعدم استقرارها.

من اللحون والطنينات والأصابع، إلى الطرائق والجموع

تواصل مع المنظرين أمثال الفارابي وابن سينا وابن زيلة، وصف النظام النغمي على قاعدة الأجناس، أجمعوا على كونها ثلاثة: قوية، ورخوة (ملونة وتأليفية)، ومعتدلة (راسمة)، والجماعات أو الجموع الناتجة عنها عن طريق الترتيب والانتقال الصاعد أو الهابط (وعددها اثني عشر): "من أراد أن يؤلف لحنًا، فيجب أن يفرض – أولاً – جماعة من الجماعات، إما تامة، وإما ناقصة، محدودة التمديد، ويرتب فيه الجنس أو الأجناس التي تحتمله، سواء حفظ الجنس بحاله، أو رأى أن يداخله بتجنيس آخر، كأن ينتقل بين طرفي الذي بالأربعة من جنس إلى جنس.. ثم ليفرض انتقالاً معلومًا، وليجعل للانتقال إيقاعًا معلومًا؛ من هزج موصل، أو إيقاع مفصل. فإذا فعل هذا، فقد ألف لحنًا"[23].

ومع القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي[24]، نلاحظ بروز تسميات تجمع بين البعدين التطبيقي والوصفي؛ وإن كنا نلاحظ، فيما يتعلق بهذه الطرائق (المقامات) وأسمائها، كثيرًا من الاختلاف، أغلبها تنسب إلى الأصابع، والبقية إلى الدساتين. فالأنواع المشهورة والمنسوبة إلى الأصابع الأربعة، هي[25]:

1.    المطلق: وينسب إلى الخنصر (لأنهما سواء في التسوية)، سمي مطلقًا لاحتواء النغم المطلقات عليه واحتواء نظائرها.

2.    المزموم: وينسب للسبابة، وهو أول ما يلازم من النغم في الوتر.

3.    المحمول: وينسب إلى الوسطى، إما في دستان الوسطى الأول (القديمة/وسطى الفرس) أو الثاني (وسطى زلزل). وهو يشبه بشيء محمول بين شيئين، فكأنه محمول بين المطلق والمزموم، والمحتوى عليه الوسطى. (ومن أصناف المحمولات: المعلق: ماهو من الأجناس بالوسطى والمطلق)

4.    المحصور: وينسب إلى البنصر، سمي كذلك لانحصار الصوت فيه وقوته.

هكذا، تم الانتقال من مجريين في كل طبقة (أحدهما منسوب إلى الوسطى والثاني إلى البنصر)؛ ثم صارت المجاري الألحان ثلاثة، وهي منسوبة إلى الوسطييْن والبنصر (وتسمى المجاري)؛ تضاف إليها تنويعات عدة. ومتى لينت نغمة السبابة فأبدلت بها نغمة المجنب سمي ذلك التجنيب (وهو إما تلوينًا للجنس الأصل أو تغييرًا له). والتليين ينال أيضًا المزموم (مجنب السبابة – وسطى الفرس – وسطى زلزل)، وكذلك الوسطى/مجنب الوسطى (الدستان الذي يقع بين دستاني السبابة ووسطى القدماء أي الفرس).

كما تمت الإشارة إلى تفرعات عدة، خاصة ما تعلق منها بتنويعات عنصر الإيقاع - وهي في الواقع، ليست بطرائق - من ذلك:

-       الماخوري (الثقيل الثاني الخفيف): حذف بعض نقرات الإيقاع الأصلية المفردة أو تخفيفها والإسراع فيها بالإشمامات والاختلاسات والنقرات اللينة والوقفات في خلال ذلك. وهو يجوز في سائر الطرائق، غير أنه اشتهر في بعضها (كان إبراهيم الموصلي يحب الغناء فيه ويكثره، فنسب إليه).

-       المخالٍف: هو الذي خولف بين أدوار إيقاعه بالعدد أو الترتيب، وهو يقع في الرمل والهزج كثيرًا فنسب إليهما، وإن كان ممكنًا في سائر الإيقاعات. وهو يختص بالطنبور أكثر من اختصاصه بالعود، وأصله رمل محمول وإنما خولف إيقاعه فرُفعت السبابة عن دستانها إلى المجنب فسمي بهذا الاسم، والغناء فيه مليح مطرب.

-       السريجي: يشبه بنحو من ألحان ابن سريج، وكان قد تفرد بها في عصره فعرفت له. ليس بطريقة مفردة بذاتها ولكنه مذهب لابن سريج استعمل فيه أغانيه وقطع به الأزمان وعرف به وهو يدخل على سائر الطرائق والألحان ويجيء في تضاعيفها وعُلحها (الجهال يعتبرونه طريقة).

-       المجنب: ليس بطريقة مفردة أيضًا، وإنما هو مذهب لإسحق الموصلي، ابتدعه وذلك لأن حلفه نفر في آخر عمره عن الوتر وبايَنه فتحيل حتى عفق المجنب، وذلك أنه جس إلى ما تحت لزوم دستان السبابة فيه فجعله فوقه، وشد له هذا الدستان وأمال غنائه كله إليه فصار مذهبًا له، وخفي ما لحقه في تضاعيفه، وهذا حسن.

-       الخسرواني: في عصرنا من يوقع الرمل المعلق بإرخاء بعض الأوتار ويسميه "خسروانيًا" ويمر ذلك على أكثر الناس وليس هو بالخسرواني، لأن تلك الطريقة فارسية كثيرة الأدوار والنقرات، تتفرع وتخرج من نوع إلى نوع، ولا يمكن إيقاعها – بالحقيقة – إلا في العيدان الأعجمية الدقيقة الأعناق.

-       الطرخاني: مجرد توقيع الرمل المنسرح ويميله بعض الإمالة.

-       الحميري: طريقة تختص بالطنابير وعليها وُضعت، وهي خفيف الرمل المحصور قد نقَّصوا من عدد نقراته وأفسدوا أدواره ولقبوه هذا اللقب.

-       خفيف الهزج: من أهم الطرائق وأغربها وأعجبها.

وفي شرح بحور التلحين التي ترجع إليها الأصوات المائة المذكورة وغيرها من سائر الغناء العربي القديم، نلاحظ بعض التباين حسب المصادر، من ذلك: أ/ البحور ستة وثلاثين بحرًا أصلها كلها الثقيل الأول ثم يتفرع منه ستة بحور وهي ثقيل أول مطلق وثقيل أول معلق وثقيل أول مزموم وثقيل أول مسرج وثقيل أول محمول وثقيل أول مجنب... ثم يتصرف في كل ثقيل أول منها ستة بحور: ثاني ثقيل، وخفيف ثقيل وخفيف ورمل وهزج وهزج الهزج، فيكون الجميع ستة وثلاثين وذلك من ضرب ستة في ستة إذ كان لكل ثقيل أول ستة من هذه البحور المعدودة، ثم يخرج من هذه الأًول في الغناء العربي القديم أربعة أصوات مختارة هي: الحجازي والممخّر والزطّي والمرجل، فهذا جملة بحور الغناء العربي القديم لا يمكن أن يشذَّ عنها منه شيء البتة[26].

الطرائق العربية: الثقيل الأول أربعة أنواع هي الأصول الثقال وأربعة أنواع هي خفايفها المساوية لها في النقرات والدوار وإنما يبينها الثقل والخفة: المطلق والمزموم والمحمول والمحصور – الثقيل الثاني أربعة أنواع هي الأصول وأربعة أنواع خفايفها مساوية لها وهي الماخوريات التي لا يُوقع منها شيئًا في زماننا هذا غير نوع واحد غير صحيح. ثم الرمل وهو أربعة أنواع ثقال لها خفايف مساوية لنقراتها. ثم الهزج وهو أربعة أنواع بطيّة وأربعة سريعة وعي خفايف الأهزاج التي هي خفايفها.

مجمل الطرائق وخفايفها اثنان وثلاثون طريقة. ثم المركبات وهي أربعة أنواع أخر، فإذا حسب الجميع صار أربعًا وستين طريقة والأربعة أنواع هي ما تركب وصارت الأصول كالأجسام التي تُدخل عليها الأعراض فبعضها منسوب إلى الأصابع وبعضها منسوب إلى الطرائق مُحدثة مبتدعة وقديمة، وهي بـ الوسطى والمجنب والممخر والمُصرع.

وإذا ما سلمنا بما جاء في بعض مصادر القرن السابع هـ / الثالث عشر م[27]، فإنه لم يعد يُوقع من الماخوريات غير نوع واحد غير صحيح؛ بل ولم يبق من الطرائق إلا المخالف وهو من الطرائق المستعملة في الطنابير أكثر من العيدان ثم الطريقة المنسوبة إلى ابن طرخان يظن أنه أتى بها كما أتى ابن سريج وما صنع شيئًا إنما هي خفيف الرمل المحمول أماله بعض الميل وأحاله عن تركيبه وزاد في نقراته وسماه بهذا الاسم ولو أراد مريد أن يصنع عدة طرائق من هذا الثقيل ويسميها باسمه لفعل غير أنه يخالف ما جده المتقدمون. وها هنا طريقة تسمى الحميرية وهي خفيف الرمل المحصور قد غيرها بعض التغيير... وإيقاع آخر يسمى الخسرواني وهو فارسي.

من الطريقة والجمع إلى الشدِّ والدور، ثم النغم والمقام والطبع

مع القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي، وفي إطار المدرسة المنهجية (بداية من صفي الدين)، صارت الطرائق تعرف بـ الأدوار والأوازات (أي المقامات الأصلية وفروعها) وأعطي لكل منها اسمًا مخصوصًا:

-       اثنا عشر أساسية (أدوار أو شدود، ج. دور أو شد، وتسمى البردوات/بردة بلغة الفرس): [عشاق، نوى، بوسليك، راست، عراق، اصفهان، زيرا فكند، زنكوله، بزرك، راهوى، حسيني وحجازي].

-       استخرجت من البرداوات أصوات في مجرى البُرْداوات إلا أنها دونها في العمل تسمى الأوازات (ج أواز)، وهي ستة فرعية: [كواشت، كردانية، سلمك، نوروز وماية وشهناز]. وهذه الأوازات راجعة إلى البرداوات، استخرج من كل برداوين أواز فكانت ستة بسبب ذلك.

فهذه جملة بحور الأغاني التي يرجع إليها كل شعر يلحن ويُغنى به في الشرق في هذا التاريخ بلغتي العرب والعجم لا يشذ عنها... وقد قدمت في شكل دوائر لحنية يصل عددها إلى أربع وثمانين دائرة (إحدى وتسعون في عصر اللاذقي)، كل منها بمثابة سلم موسيقى؛ وهو مجموع جاء نتيجة إضافة كل قسم من أقسام الطبقة الأولى وعددها سبعة أقسام إلى كل قسم من أقسام الطبقة الثانية وعددها اثنتا عشر قسمًا.. ومن هذه الدوائر ما هو ملائم وما هو واضح التنافر أو خفي التنافر. هكذا لقد استعملت لأول مرة، عملية التصوير حيث صُور كل دور في سبعة عشر درجة أي على سائر نغمات السلم المذكور.

كما عُرفت الأبعاد بحروف الهجاء: البعد الطنينى (ط)، والبقية (بـ)، الثنائية الخاصة (ج). وهذه الأدوار الاثني عشر الأساسية كما يعرفها صفى الدين من اليسار إلى اليمين (المجموعة الأولى من الحروف تدل على الأبعاد الفاصلة بين نغماتها، والمجموعة الثانية تدل على الدرجات المكونة لسلالمها):

ونجد لدى العُمري توضيحات هامة تساعدنا على ربط هذه المصطلحات بعضها ببعض. حيث يقول: رأيت بين القدماء والمحدثين، اختلافًا في ألقاب الأنغام التي صنعوا فيها الأصوات اختلافًا في الأسماء لا في المسميات، أي اتفاق القدماء والمحدثين في المعنى واختلافهم في اللفظ. وعند تنزيل أسماء المحدثين على أسماء القدماء، نلاحظ ما يلي[28]:

الأوائل رحمهم الله، رتبوا ألحانهم على نوعين: ضرب ولحن، مسميات بأسماء اصطلحوا عليها وجعلوا:

أنواع الضروب ستة:  ثقيل أول وثقيل ثان وخفيف الثقيل ورمل وخفيف الرمل وهزج.. وهذا كما يُقال إن الضرب فيه بنقرات ثقال وخفاف وخفاف الخفاف.

أما الأصابع فهي الألحان عندهم، وهي ست كذلك: المطلق والمعلق والمحمول والمنسرح والمزموم والمجنب. وإذا ضربت ثلثه في ستة كانت ثمانية عشر رجوعًا إلى أن الضرب مع اللحن يختلف مع الثقال والخفاف وخفاف الخفاف، فتحالف الصوت مع الضرب بالقوة والضرب فيسمى كل واحد باسمٍ ولهذا يقولون مطلق السبابة والوسطى والخنصر والشهادة أو مقبوضها كل ذلك إشارة منهم إلى الألحان المختلفة فسموا كل لحن باسم علم عليه يُعرف به ليلاّ يصل العلم عند التعليم. كذلك فعل المتأخرون من الفرس حين سموا هذه الأسماء الأعجمية المصطلح عليها في زمننا وهي الراست والعراق والزيرفكند والاصفهان والزنكلا والبزرك والراهوي والحسيني والماآه وأبوسليك والنوى والعشاق، وأوازها وهي: النيروز والشهناز والسلمك والحجاز والكوشت، على اختلاف في هذه التسمية فهذه تلك الست تضاعفت ثلاثة بحسب التركب فبلغت ثمانية عشر:

-       المطلق هو الراست

-       المعلق هو العراق

-       المحمول هو الزيرفكند

-       المنسرح هو اصفهان

-       المزموم هو الزنكلا

-       المجنب هو بُزْرَك

ثم تركبت الستة الباقية من الستة الأولى:

-       الرهوي من المطلق والمعلق

-       الحسيني من المحمول والمنسرح

-       الماآه  وأبوسليك من المزموم

-       النوى والعشاق من المجنب

ثم أخذ بالتركب:

-       النيروز من المطلق والمعلق لاختلاف الضرب

-       الشهناز من المحمول والمنسرح

-       السلمك من المزموم والمجنب

-       الزركشي من المحمول والمنسرح

-       الحجاز من المزموم

-       الكواشت من المجنب

أما الماخوري والمحصور والمشكول فتأخر تسميته مع متأخري أوايلهم وكذلك غيرها، وتركيبها كتركيب الشاذ عند المتأخرين والله أعلم.

وفيما يلي، جدول مقارن لمختلف المصطلحات المستعملة لدى المدارس الثلاثة:

مصطلحات الطرائق المقترنة (عند القدماء والمحدثين: IX XIII)
أ/ تشابه مباشر              ب / تشابه مركب

الطنبوريون

المنهجيون

 

المنهجيون

الطنبوريون

المؤسسون (العوديون)

مطلق + معلق

راهوي

 

بوسلك

مطلق: ½1 1

إصبع: 3 – 6

محمول + منسرح

حسيني

 

نوى

معلق: 1 ½ 1

إصبع: 1 – 4 – 7

مزموم

ماآه + بوسلك

 

عشاق

راست

محمول: 1 1 ½

1 ¾ ¾

وسطى  (قديمة/فارسية/زلزلية)

مجنب

نوى + عشاق

 

عراق

منسرح: ¾ 1 ¾

-------

----------

---------

 

نوروز

مزموم : ¾ ¾ 1

سبابة (---)

مطلق + معلق

نوروز

 

بزرك

مجنب: 1 1 ½

إصبع: 2 – 5 – 8

محمول + منسرح

شهناز

 

بوسلك

محصور: ½ 1 1

بنصر

مزموم + مجنب

سلمك

 

 

 

 

محمول + منسرح

زركشي

 

 

 

 

مزموم

حجازي

 

 

 

 

مجنب

كواشت

 

 

 

 

 

أ / تشابه مباشر                            ب / تشابه بالتركيب

الطنبوريون (المتوسطون)

المنهجيون (المتأخرون)

 

المنهجيون (المتأخرون)

الطنبوريون (المتوسطون)

مطلق

راست

 

راهوي

مطلق + معلق

معلق

عراق

 

حسيني

محمول + منسرح

محمول

زرافكند

 

ماآه + بوسلك

مزموم

منسرح

إصبهان

 

نوى + عشاق

مجنب

مزموم

زنكولا

 

--------

 

مجنب

بُزرك

 

نيروز

مطلق + معلق

 

 

 

شهناز

محمول + منسرح

 

 

 

سلمك

مزموم + مجنب

 

 

 

زركشي

محمول + منسرح

 

 

 

حجازي

مزموم

 

 

 

كواشت

مجنب

***

الخصوصيات المقامية:

المقام

من الملاحظ، أن مصطلح "مقام" (ج. مقامات) الذي حل محل الاصطلاحات [إصبع- طنين - لحن - شد - جمع] و[طريقة - بحر - دور - برده - أواز]، لم يعمّ استعماله إلا مع القرن الثامن الهجري/الرابع عشر ميلادي[29]. المتأخرون قد سموا بعض الألحان المشهورة في زمانهم "مقام (12) وبعضها أواز (7) وبعضها شعبة (24) وبعضها تركيب (30). ويوجد البعض الآخر منها لا اسم له عندهم). أما الآن فيسمون تلك الألحان بمقام فقط "... وهي في عصر اللاذقي، إحدى وتسعون دائرة حاصلة من إضافة أقسام الطبقة الثانية إلى أقسام الطبقة الأولى"[30].

هكذا، نلاحظ امتدادا لمذهب المتوسطين عند المتأخرين (بداية من العاشر هـ / السادس عشر م)، الذين توسعوا بدورهم في فروع الأصول واستخراج ما يتشعب. وهذه القائمة كما وردت لدى قدماء المنهجيين (صفي الدين) والمتأخرين منهم (اللاذقي):

المقامات
[الأدوار سابقا = 12]

الأوازات
[6] - [7]

الشعب
[24] - [4]

التراكيب
[--] - [30]

راست

كواشت - كواشت

دوكاه - يكاه

---    -   سنبلة

عراق

نوروز - نوروز

سيكاه  -  دوكاه

---    -  عزال

أصفهان

سلمك - سلمك

جهاركاه  - سيكاه

---    -  نهفت

زيرافكند

شهناز - شهناز

بنجكاه - جهاركاه

---  - نيريز صغير

بزرك

كردانية - حصار

عشيران

---  -  نيريز كبير

زنكولة

ماية - كردانية

نوروز عرب

--- -  هاوند صغير

راهوي

----  - ماية

ماهور

---  -  قرجغار

حسيني

 

نوروز خارا

---  - عجم

حجازي

 

نوروز بياتي

---  - اصفهانك

أبوسليك

 

حصار

---  - راحة الأرواح

نوى

 

نهفت

---  - زوالي سه كاه

عشاق

 

عزال

--- - زوالي اصفهان

 

 

أوج

--- - نمار

 

 

نيريز

--- - نيشابورك

 

 

مبرقع

--- - خوذي

 

 

ركب

--- - حجست

 

 

صبا

---  - زمزم

 

 

همايون

---  -  همايون

 

 

اصفهانك

---  -  مستعار

 

 

زاولي

---  -  نكانيك

 

 

بستة نكار

---  -  بنجكاه أصل

 

 

نهاوند

---  -  بنجكاه زايد

 

 

خوذي

---  -  محيّر

 

 

محيّر

---  -  أوج

 

 

 

---  -  ماهور كبير

 

 

 

--- -  ماهور صغير

 

 

 

--- -   بستة نكار

 

 

 

---  -   عشيران

مذاهب هذه القسمة من أصول وفروع ومركبة توسعت وتنوعت على مر العصور، مع اختلاف في هيئات الشعب والأوازات. وتوجد روايات تبلغ فيها المقامات الأساسية والفرعية ستة وثمانين (86) مقامًا، تم اختيارها من مائتين وخمسة وثلاثين (235) مقامًا. ويصل المجموع حوالي 360 مقامًا عند العرب والأتراك والفرس، بين أساسية وفرعية وفرعية مركبة (341 حسب ترتيب سليم الحلو، ص 88-133؛ المشهور منها 32 عند عرب المشرق والأتراك، دون احتساب الطبوع المغاربية). إن توليد المقامات ليس له نهاية، لكنها عمليًا تنحصر في خمسة وتسعين مقامًا، استعمل منها زمنًا طويلاً لدى الممارسين، من الثلاثين إلى الأربعين مقامًا. وتنظيمًا لهذا الكم الهائل من المقامات، اجتهد بعضهم في تصنيفها بطريقة تبسط سبل التعامل معها، من ذلك ترتيبها بحسب درجات استقرارها الأصلية؛ أو بحسب المقامات الأصلية وفصائلها، على النحو التالي[31]:

المقامات بحسب درجة ارتكازها الأصلية[32]

درجة الارتكاز

المقامات

درجة الارتكاز

المقامات

- اليكاه

 

 

- العشيران

 

- عجم عشيران

 

- العراق

 

- الراست

اليكاه – شد عربان – فرحفزا –

   سلطان يكاه – طرز جديد

  نهوفت العرب.

(حسيني عشيران) – سوزدل –

  شوق طرب.

عجم عشيران شوق آور

  شوق أفزا - عجم مرصع .

العراق – (أوج) – بستة نكار -

راحة الأرواح – فرحناك – أويج آرا.

الراستماهور – ( كردان) - رهاوي

  سوزدلارا – زاويلسازكار – (زنكلاه) -

دلنشين –   بسنديدة - سوزناك نهاوند

نهاوند كردي –  نهاوند كبير

نهاوند مرصع – نوأثر –  نكريز

بسنديدة حجاز كارحجاز كار كرد

زنجران –  سوزناك جديد – طرزنوين.

- الدوكاه

 

 

 

 

 

 

 

 

- السيكاه

 

- الجهاركاه

- نوى  

بياتي عشاق تركي – حسيني-

طاهر -  عرضبار – (حسيني) –محير- (قارجغار / شوري) - كلعزار – بياتينصبا- صبا زمزمة – صبا بوسليك – قارجغار – كرد – شاهناز كرديحجازحجاز عجمي –  شاهناز –

 (بوسليك) – بوسليك جديد

(عشاق مصري) –  نيشابورك

أصفهان  - حصار.

السيكاه –  ماية –  شعار

مستعار – هزام.

جهاركاه – جهاركاه  تركي.

 نوى –  نوى كرد –

نوى عجم –  نوى  بوسليك

 –  حجاز نوى                          

 

المقامات بحسب فصائلها[33]

المقام

الفصائل

المقام

الفصائل

- عجم

 

- راست

 

 

 

 

- سيكاه

- هزام

- عراق

- نهاوند

 

 

 

 

عجم عشيران -  شوق أفزا –

 عجم مرصع – جهاركاه .

 راست كردان – رهاوي – ماهور –

سوزدل آرا – زاويل – سازكار –

 دلنشين – سوزناك – يكاه – نوى

 – نيرز راست –

نيشابورك – أصفهان.

ماية – شعار- أويج – مستعار – فرحناك.

راحة الأرواح.

بسته نكار.

نهاوند كرذي – نهاوند كبير –

 نهاوند مرصع – فرحفزا –

سلطاني يكاه – طرز جديد –

نوى عجم – بوسليك – بوسليك جديد –

عشاق مصري – شوق آور.

- نوأثر

- حجاز

 

 

 

 

- كرد

 

 

- بياتي

 

 

- صبا

حصار – نكريز – بسنديدة –

حجاز كار – شد عربان – سوزدل –

أويج آرا – شاهناز- جهاركاه تركي -

نهوفت العرب – حجاز النوى –

حجاز عجمي – زنجران –

سوزناك جديد.

حجاز كار كرد – شوق طرب – طرزنوين – شاهناز كردي –

حصار كردي .

حسيني – محير – طاهر – عرضبار – عشاق تركي – حسيني عشيران –

بياتين – قارجغار.

صبا زمزمة – صبا بوسليك.

 

تبسيط المقامات واختصارها في 11 جنسا رئيسية (بحجة تماثلها)[34]

الجنس الأساسي

الارتكاز الأصلي

النسب

الجنس المماثل

الارتكاز

العجم عشيران

عجم عشيران

(1)  (1) (½)

الجهاركاه

جهاركاه

الراست

راست

(1) *(¾) * (¾)

اليكاه

يكاه

نهاوند

راست

(1)   (½) (1) 

البوسلك

العشاق

دوكاه

دوكاه

نوأثر

راست

(1) (½)  (1½)

الحصار

دوكاه

بياتي

دوكاه

* (¾)* (¾) (1)

 

 

حجاز

دوكاه

(½) (1½) (½)

الحجاز كار

السوزدل

الشاهناز

الشدعربان

الأوج آرا

راست

عشيران

دوكاه

يكاه

كوشت

الصبا

دوكاه

* (¾) * (¾) (½)

 

 

الكرد

دوكاه

(½) (1) (1)

العجم كرد

دوكاه

السيكاه

سيكاه

* (¾) (1)

الفرحناك

عراق

العراق

عراق

* (¾) (1) * (¾)

 

 

الهزام

سيكاه

* (¾) (1) (½)

راحة الأرواح

عراق

* = نسبة تقريبية

***

الطبع

كما ظهر مصطلح "طبع" (ج. طبوع) بالمغرب العربي، مع القرن العاشر الهجري / السادس عشر ميلادي. أقدم وثيقة وصلتنا تتعلَّق بالطبوع، تعود إلى العهد الحفصي من خلال قصيد في 56 بيت من بحر البسيط، في ذكر الرسول (صلعم) للشاعر الصوفي محمد الظريف (تـ 1385)، مطلعه: "من سفك دمعي ومن تحبير أجفاني". ست أبيات منه [15-20] تتضمَّن مجموعة تسميات، دون ذكر مصطلح الطبع[35]. وهي على التوالي:

الرهاوي – الذيل – الرمل – الإصبهان – الصيكة – المحير – المزموم – العراق – الحسين – النوى – ( رصد الذيل) -  الماية -  الرصد - الأصبعين

كما ورد مصطلح الطبع مع أربع تسميات: [ذيل - عراق عرب - رمل ماية- رمل] في هامش لمقطوعة زجلية لـ لسان الدين ابن الخطيب[36] (1313- 1374) ولا ندري بالتحديد، إذا كان هذا التعليق هو من إضافة أحد ناسخي المخطوط، أو يعود إلى المؤلِّف نفسه الذي وضع مصنَّفه بعد صرفه عن الأندلس واستقراره بالمغرب.

ولم تتوضح مسألة الطبوع إلا مع أوائل القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي، وذلك من خلال قصيد في إحدى عشر بيتا من بحر الطويل، للقاضي عبد الواحد الونشريسي (1478-1548)، أواخر عهد الوطاسيين بالمغرب الأقصى، مطلعه: "طبائع ما في الكون أربعة"، يذكر فيه مصطلح الطبع مع 17 تسمية (5 أصول و12 فروع)، توسعت فيما بعد لتصل إلى 26 (5 أصول و21 فروع). يقول البوعصامي: "أعلم أن كل ما يدور على الألسنة من أنواع التلحين – على اختلاف أجناسها – فهو راجع إلى خمسة: أصول الطبوع وهذه الخمسة تفرعت عنها فروع، وكلها طبوع". هكذا، تزايد عدد الطبوع من 13 (الظريف تـ 1385) إلى 17 (الونشريسي تـ 1549)، 23 (الوجدي XVII)، ثم مع البوعصامي والحايك (XVIII) شجرة بها 26 طبعا: 5 أساسية و21 فرعية (غير أن الصيكة والمشرقي خارجان عن الشجرة). يوجد نفس الشيء لدى إبراهيم التادلي (تـ 1894) في كتابه أغاني السكا في علم الموسيقى. وهذه الأصول والفروع تكون كالآتي:

طبوع فرعية

طبع أساسي

رصد الذيل ـ رمل الذيل عراق  [العرب / العجم- مجنب الذيل – استهلال الذيل].

ـ    ذيل

رصد – حسين – رمل [الماية – انقلاب الرمل – صيكة]

ـ   ماية

أصبهان – عشاق– حصار - زوركند –  حجاز[الكبير / المشرقي ]

ـ   زيدان

غريبة الحسين [حمدان – مشرقي]

ـ   مزموم

.................

ـ غريبة المحرّرة

هذه المصطلحات الخاصة بالطبوع المغاربية، تحاكي أسماء الأوتار الأربعة للعود التقليدي وكذلك بالنغمات الأصول السبعة للسلم، والتي تسمَّى "في عرف هذا الإقليم بالذيل للدرجة الأولى ثم الماية للدرجة الثانية ثم السيكة للثالثة ثم المزموم للرابعة ثم الرمل للخامسة ثم الحسين للسادسة ثم سيكة حسين للسابعة على الترتيب يرمز ذلك بقولنا[37]:

د

م

ســـ

ــــمـــ

ـــر

حـــ

ــــس

ديل

ماية

سيكة

مزموم

رمل

حسين

سيكة حسين

عمليًا، تتخذ هذه الطبوع خاصيات تختلف باختلاف الأرصدة المغاربية، يمكننا حوصلتها في الجدول التالي (علمًا وأن تماثل المصطلحات لا يعني تماثل الطبوع أو الأجناس المكونة لها)[38].

جدول مقارن للطبوع المغاربية بحسب الاصطلاحات المتداولة

الطبوع

ليبيا

تونس

الجزائر

المغرب

 

الطبوع

ليبيا

تونس

الجزائر

المغرب

ـ  ذيل

+

+

+

+

 

- رمل الكبير

 

+

 

 

مجنب الذيل

 

+

 

+

 

- رمل الماية

+

+

+

+

- رصد الذيل

+

+

+

+

 

- الماية

+

+

+

+

- رمل الذيل

 

 

 

+

 

- انقلاب الرمل

 

 

 

+

- استهلال الذيل

 

 

 

+

 

- صيكة

+

+

+

+

- ذيل قسنطيني

 

 

+

 

 

- صيكة حسين

 

 

+

 

- ذيل براني

 

 

+

 

 

- أصبهان

+

+

+

+

ـ   ماية

+

+

+

+

 

- عشاق

 

 

 

+

ـ   زيدان

 

 

+

+

 

- حصار

 

 

 

+

ـ   مزموم

 

+

+

 

 

- زوركند

 

 

 

+

- مزموم محير

+

 

 

 

 

- حجاز الكبير

 

 

 

+

- مزموم صنعة

 

 

 

+

 

- حجاز المشرقي

 

 

 

+

- مزموم مُوال

 

 

 

+

 

- مشرقي

 

 

 

+

ـ غريبة المحرّرة

 

 

 

+

 

- مشرقي صغير

 

 

 

+

- غريبة الحسين

 

 

+

+

 

- نوى

+

+

+

 

- عراق

+

+

+

 

 

- أصبعين

+

+

 

 

- عراق العرب

 

 

 

+

 

- انقلاب أصبعين

 

+

 

 

- عراق  العجم

 

 

 

+

 

- محير

 

 

+

 

- رصد

+

+

+

+

 

- محير عراق

 

+

 

 

- رصد قناوي

 

 

 

+

 

- محير صيكة

 

+

 

 

- رصد عبيدي

 

+

 

 

 

- رهاوي

 

+

+

 

- حسين

+

+

+

+

 

- ساحلي

 

 

+

 

- حسين عجم

+

+

 

 

 

- جاركه

 

 

+

 

- حسين صبا

+

+

 

 

 

- مُوال

 

 

+

 

- حسين نيرز

 

+

 

 

 

- غريب

 

 

+

 

- حسين عشيران

 

+

 

 

 

- مجنبة

 

 

+

 

- رمل

+

+

+

 

 

- حمدان

 

 

 

+

- رمل العشية

 

+

+

 

 

 

 

 

 

 

 

الأجناس المستعملة

الأجناس المستعملة

المصطلحات المحلية

(1)  (1) (½)

غريبة الحسين (المغرب)

(1)   (½) (1) 

حسين (المغرب)

(½) (1) (1) (1)

صيكة (المغرب- الجزائر)

(1) * (¾)* (¾) (1)

ذيل (تونس – ليبيا)

* (¾)* (¾) (1)

حسين (تونس-ليبيا)

*(¾) (1)

صيكة (تونس – ليبيا)

(1) * (¾)* (1 4/1) (½)

رصد الذيل (تونس – ليبيا)

(1) * (¾)(1) * (¾)

رصد الذيل (تونس)

(½) (1½) (½)

مجنبة، رمل، زيدان (الجزائر)

زيدان، حجاز كبير، حجاز مشرقي، رمل الذيل (المغرب)

(1) (1½)(1)

رصد (المغرب – تونس)

(1) (½)(½)(½)

الرصيد الشعبي

* = نسبة تقريبية

لقد تحددت واستقرت طرائق المقامات والطبوع مع المُحدَثين (الثاني عشر هـ / الثامن عشر م)، حيث كان للمرحلة العثمانية تأثيرًا واضحًا في انتشار المصطلحات الخاصة بالمقامات والإيقاعات وتوضيح طرائقها وإثراء أساليبها؛ قبل أن تعود لتنحسر وتتراجع تحت وطأة تأثير النظام الموسيقى التونالي الغربي بدعوى التطور ومواكبة العصر!

الخصوصيات المقامية ومبدأ التأثير Ethos:

وبالرغم من عدم وجود وثائق "حية"، فإن المعلومات المتوفرة لدينا تثبت وجود طريقة صوتية مكتملة العناصر، تقوم على عنصرين أساسيين هما: نغمة الأساس ونوعية المجرى (الثلاثية).. وهذا الإطار اللحني لا يقوم على تقسيم جمع الذي بالكل (الديوان) باعتباره وحدة منفصلة، إنما على مبدأ الخلايا (عقود/أجناس رباعية أو خماسية): خلية أساسية، تضاف إليها واحدة فأكثر - متجانسة أو متباينة- في القرار أو الجواب، وذلك عن طريق الاتصال، الانفصال أو التداخل.

كما اعتنى المنظرون، بمعالجة تأثير الموسيقى في نفوس الكائنات الحية، وكذلك في الجسم، وخاضوا في موضوع الموسيقى من ناحية علاقاتها بالفلك والأجرام السماوية. ويبيِّن الكندي وإخوان الصفا من بعده: كيف ركبت على العود أربعة أوتار بعشر طاقات (4+3+2+1)، ثم صبغت بألوان النقوش السحابية التي تُرى قبالة الشمس، والتي تُرينا ألوان العناصر الأربعة: "فالزير يشبه بالصفراء، والمثنى بالحمرة والدم، والمثلث بياض البلغم، والبم بسواد السوداء".

يتم الانطلاق من أوتار العود والنغم المستخرجة من دساتينه، لشرح العلل النجومية التي وضع عليها العود، ومشاكلة أوتاره الأربع للأرباع الفلك، وأرباع البروج، وأرباع القمر، وأركان العناصر، ومهب الرياح، وفصول السنة، وأرباع الشهر، وأرباع اليوم، وأركان البدن، وأرباع الأسنان، وقوى النفس المنبعثة في الرأس، وقواها الكائنة في البدن، وأفعالها الظاهرة في الحيوان... وغير ذلك من التفاصيل، نلخص بعضها في الجدول التالي[39]:

جدول: النظرية الفلكية للموسيقى

الأوتار

اللون

الأركان

التناسب / الصفة

الطبائع / الأخلاط

المفعول

المضادة

الزير

أصفر

النار

حرارة النار وحدتها

تقوي خلط الصفراء

تزيد في قوتها وتأثيرها

 تضاد خلط البلغم وتلطفه

المثنى

أحمر

الهواء

رطوبة الهواء ولينه

تقوي خلط الدم

تزيد في قوتها وتأثيرها

تضاد خلط السوداء

وترققه وتلينه

* وتر زرياب

*أحمر  داكن

* الحياة

---------

* الروح

----------

------------

المثلث

أبيض

الماء

رطوبة الماء وبرودته

تقوي خلط البلغم

تزيد في قوته وتأثيره

تضاد خلط الصفراء

البم

أسود

التراب

ثقل الأرض وغلظها

تقوي خلط السوداء

تزيد في قوتها وتأثيرها

تضاد خلط الدم

 وتسكن فورانه

هذا الاتجاه التجريدي/الميتافيزيقي الذي يربط مبدأ التأثير الموسيقي بالظواهر الطبيعة، كان من مميزات المدرسة التأسيسية/العودية، اهتم به روادها انطلاقًا من الكندي ثم زرياب وإخوان الصفا. ومع القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، تقلص الاهتمام به، واختار كل من الفارابي وابن سينا من بعده، عدم المبالغة فيه معتمدين في المقابل، توجهًا طبيعيًا رياضيًا وتجريبيًا في نفس الوقت، يعتمد أساسًا، على فيزيائية الصوت الموسيقي وتحديد النسب الرابطة بين مختلف الأصوات. غير أن هذا، لم يمنع تواصل الاهتمام بالمنحى التجريدي في المراحل اللاحقة[40]. يقول الفارابي:

والألحان بالجملة صنفان: صنف ألف ليلحق الحواس منه اللذة فقط، من غير أن يوقع في النفس شيئًا آخر، ومنها ما ألف ليفيد النفس مع اللذة شيئًا آخر من تخيلات أو انفعالات، ويكون بها محاكيات أمور أخر، والصنف الأول أقل غناء، والثاني هو النافع منها، وهو الألحان الكاملة، وهي أيضًا التابعة للأقاويل الموزونة، أعني الشعر [...] والألحان الكاملة ثلاثة أصناف: منها الألحان المقوية، ومنها الملينة ومنها الألحان المعدلة، وقد تسمى الاستقرارية أو الحافظة...[41]

وقد تواصل هذا التوجه مع المتأخرين، حيث كانت تنزل هيئات الأصول والفروع على البروج الاثنى عشر (وإن اختلفوا في هيئات الشعب والأوازات)، وذلك في إطار ما يعرف بـ "الشجرة" الحاوية لمجمل المقامات (الأًول والفروع). من ذلك[42]:

"شجرة المقامات": أربعة أصول (راست – عراق – زيرافكند – أصفهان)، تستخرج منها 8 فروع (اثنان من كل أصل) وهي التي كانت تعرف بالأدوار؛ ثم 24 شعب (اثنان في كل دور)، و6 أوازات من بين كل اثنين من الأدوار، أي ما مجمله 42.

المقامات الاثنى عشر والأصول وما يقابلها من الأمزجة والعناصر والبروج

المقامات
4 الأصول + 8 الفروع
(+ 24 شعبة – 6 أوازات)

الأمزجة الغالبة في الإنسان

العناصر

الطبيعية

الأخلاط

البروج الفلك

(12)

الراست

(الزنكلاه – العشاق)

 

حار يابس

النار الصفراء

الحمل

الأسد

القوس

العراق

(الحجاز – أبوسليك)

 

حار رطب

الهواء الدم

الجوزاء

الميزان

الدلو

الزيرفكند

(الرهاوي – البزرك)

 

بارد رطب

الماء البلغم

السرطان

العقرب

الحوت

الأصفهان

)الحسيني – النوى)

 

بارد يابس

التراب السوداء

الثور

السنبلة

الجدي

"شجرة الطبوع": وكذلك الأمر بالنسبة لموسيقى المغرب العربي، حيث اتخذت مجموعة الطبوع المذكورة ضمن قصيدة الونشريسي، كقائمة أولية، أساسًا لما صار يعرف بـ "شجرة الطبوع"، اعتمدها فيما بعد وتناولها بالتعديل والتنقيح والإضافة، أهم منظري الموسيقى بالمغرب العربي، ومن بينهم: البوعصامي والوجدي/الغماد، وأحضري، والحائك، وسيالة، وبن عبد ربه وغيرهم... (راجع قائمة المصادر). وإذا ما تجاوزنا اختلاف الروايات، يمكن حوصلة هذه الشجرة في أربعة أصول (ذيل - ماية - زيدان – مزموم)، تستخرج منها 21 فرع (مع أصل: الغريبة المحررة، وهو دون فرع). ولهذه الأصول الأربعة وما تفرع عنها من الطبوع "تعلُّق بالطبائع الأربعة والعناصر الأربعة"، وذلك على النحو التالي:

طبوع فرعية

مطلقات أوتار العود

طبع أساسي

العناصر الكونية

الطبائع البشرية

رصد الذيل ـ رمل الذيل عراق  [العرب / العجم- مجنب الذيل – استهلال الذيل].

ذيل

ذيل

التراب

السوداء

غريبة الحسين [حمدان – مشرقي]

حسين

مزموم

النار

الصفراء

رصد – حسين – رمل [الماية – انقلاب الرمل – صيكة]

ماية

ماية

الهواء

الدم

أصبهان – عشاق– حصار - زوركند –  حجاز[الكبير / المشرقي ]

رمل

زيدان

الماء

البلغم

.................

 

غريبة المحرّرة

 

 

لكن المحدثين في كل من المشرق والمغرب، حسموا المسألة - على الوجه الذي استقر عليه الأمر إلى الآن - وذلك بتعريف المقامات والطبوع بالقياس إلى فصائلها في جماعاتها المختلفة النغم، دون الاهتمام بالعلاقة بين الأنغام وبين عناصر البروج والطبائع.

*** *** ***


 

horizontal rule

[1]  في هذه الأجواء الرحبة، حيث تتداخل المعطيات الدينية والدنيوية، تلعب الموسيقى دورًا اجتماعيًا هامًا، وتمثل عنصرًا أساسيًا في كل المناسبات الخاصة والعامة. ومن خلال ما يشهده هذا التراث الضخم من تداخل وتنوع، يمكننا تجزئته إلى ثلاثة أرصدة كبرى هي:

-        الرصيد الشعبي: وهو نابع من أعماق الشعب، معبر عن مشاغله وطموحاته، مواكب له في مختلف مراحل حياته واحتفالاته الخاصة والعامة. فهو بقسميه الحضري والقروي، ثري في أساليبه، متنوع في أغانيه ورقصاته.

-        الرصيد الكلاسيكي: ثري المعاني، دقيق التراكيب، فهو ثمرة حضارة عريقة ووليد مجتمع متمدن، نشأ في رحابه ونمى وتطور بخطى ثابتة ومتواصلة.

-        الرصيد العقائدي: ومنه الديني البحت، ومنه المستوحى من الحياة والمعتقدات الخاصة داخل الزوايا والطرق الصوفية المنتشرة في كامل الوطن العربي. فهو في تنوعه وثرائه، يستمد مكوناته من الرصيدين الشعبي والكلاسيكي.

[2]  محمود قطاط، آلة العود بين دقة العلم وأسرار الفن، وزارة الإعلام – مسقط، 2006.

[3]  سُميت العودية لاعتمادها أساسًا على آلة العود نظريًا وتطبيقيًا.

[4]  هذا التوجه للثقافة الموسيقية  يبرز في أكثر من مصدر عربي، من ذلك على سبيل المثال: "زعم أهل الطب أن الصوت الحسن يسري في الجسم ويجري في العروق، فيصفو له الدم، ويرتاح له القلب، وتهش له النفس، وتهتز الجوارح، وتخف الحركات [...]. وزعمت الفلاسفة أن النغم فضلٌ بقي من المنطق لم يقدر اللسان على استخراجه، فاستخرجته الطبيعة بالألحان" [...] "وقد يُوصل بالألحان الحسان إلى خير الدنيا والآخرة. فمن ذلك أنها تبعث على مكارم الأخلاق من = اصطناع المعروف، وصلة الأرحام، والذّب عن الأعراض، والتَّجاوز عن الذُّنوب. وقد يبكي بها الرجل على خطيئته، ويرقق القلب من قسوته، ويتذكَّر نعيم الملكوت ويُمثله في ضميره". راجع ابن عبد ربَّه: العقد الفريد (كتاب الياقوتة الثانية) VI، ص 3-5؛ الإبشيهي: المستطرف...، II، ص 146.

[5]  ابن زيلة، الكافي في الموسيقى، ص 74.

[6]  كان المنظرون يسمون أغلظ أوتار العود وهو البم: أعلاها، والزير وهو أكثرها حدة: أوطاها، وذلك تبعًا لمواضع هذه الأوتار من العود في أثناء العزف وهو ما درج عليه العزف عبر المدنيات القديمة وظل جاريًا حتى القرن الخامس؛ وكذلك الأمر بأوربا في التدوين الجدولي (تابلاتوره).

[7]  الأدوار...، ص 93-94؛ الرسالة الشرفية...، ص 140 وما بعدها.

[8]  اللاذقي، الفتحية، ص 178-179.

[9]  من ذاك: ابن غيبي والجرجاني واللاذقي ومخطوطي كنز التحف وكشف الهموم.

[10]  كمال أدب الغناء، الباب الثالث عشر.

[11]  ابن سينا، جوامع علم الموسيقى، ص 144؛ ابن زيلة، الكافي في الموسيقى، ص 25-28. وتوجد أخبار في كتاب الأغاني، يستدل منها على أن بعض أهل الصناعة كانوا يقدمون أو يؤخرون من وضع هذا الدستان أو ذاك، حتى يطيب الغناء.

[12]  رسالة في الموسيقى، تح. زكريا يوسف، القاهرة، 1964؛ تح. يوسف شوقي، القاهرة، 1976.

[13]  أبو الحسن الجرجاني، شرح مولانا مبارك شاه، مخ. مكتبة المتحف البريطاني – لندن (رقم 2361 شرقي).

[14]  راجع في هذا الصدد، محمود قطاط: نظرية تكوين السلالم الموسيقية والنظام الموسيقي العربي، مجلة البحث الموسيقي، المجمع العربي للموسيقى، المجلد الثاني/العدد الأول، عمان – بغداد، 2002-2003، ص9-59.

[15]  انطلاقًا من النظرية الرياضية القائلة بأن "الواحد ليس عددًا، وإنما هو ركن العدد، وأما أول العدد فهو الاثنان"، تخرج نغمة المفروضة - لكونها "ركن النغمات" - من تكوين الجموع، لتتخذ أول النغم تلك الواقعة على أول دساتين العود: السبابة والوسطى (آخر نغمات الديوان جهة الحدة)، حادة الحادات (آخر نغمات الديوان الثاني)، رسالة في خبر صناعة التأليف.

[16]  رسالة ابن المنجم [القاهرة]، ص192 و218؛ الأغاني، I، ص 4.

[17]  كمال أدب الغناء، الباب الحادي والثلاثون.

[18]  لذلك نرى أن المنظرين العرب، بالرغم مما حققوه في مجال التنظير الموسيقي، لم يسعوا إلى استنباط تدوين موسيقي ثابت، وذلك لاقتناعهم بعدم جدواه.

[19]  راجع صفي الدين: الأدوار (الفصل الخامس عشر)؛ الشرفية (الفصل الثامن)؛ ابن غيبي: جامع الألحان، (الباب السادس).

[20]  الكندي: رسالة في خبر صناعة التأليف؛ رسالة في اللحون والنغم.

[21]  أبو الفرج: ج1، ص 7- 8 (دار الكتب- القاهرة)؛ ابن الطحان: ص 70-74 ؛ لما علم الخليفة الواثق (227-232) بأمر الأصوات المائة، أمر إسحاق بأن يختار له منها ما رأى أنه أفضل مما كان اختير متقدمًا، ويُبدل ما لم يكن على هذه الصفة بما هو أعلى منه وأولى بالاختيار (الأغاني، ج 1، ص 2). ينسب التيفاشي للخليفة المتوكل جمع المغنين في زمانه وأمرهم باختيار، من الغناء العربي، ما تقع أذواقهم على جودة صناعة (متعة الأسماع).

[22]  ابن المنجم، رسالة، ص 23؛ الأغاني، ج 9، ص 48، 69، 344.

[23]  ابن سينا، جوامع علم الموسيقى، من كتاب الشفاء، ص 139.

[24]  وحتى قبل ذلك، إذ يفيد ابن خرداذبة (تـ 912)، بأنه يتفرع من كل واحد من الطرائق الإيقاعية الثمانية: "مزموم مطلق، وتختلف مواقع الأصابع فيها فيحدث لها ألقابًا تميزها كـ المحصور، والمخبول، والمحثوث، والمخدوع، والأدراج"، مروج الذهب، للمسعودي (تـ 956)، القاهرة 1965، ج IV، ص 224.

[25]  هذا ما نلاحظه، خاصة لدى الموسيقيين الممارسين، مثل الحسن الكاتب، كمال أدب الغناء، ص 112 + ابن الطحان: حاوي الفنون، ص101-102؛ 111-114؛ أو من اعتمد على شروحاتهم، نذكر منهم التيفاشي: متعة الأسماع؛ والعمري: مسالك الأبصار، ج 10.

[26]  التيفاشي (الباب 12) : "إلا أن العلم والعمل انقرضا معًا في هذا الزمان فلم يبق من ذلك إلا صبابة عند أهل المغرب.. وأما أهل المشرق فقد درس أثر ذلك فيهم بالكلية والذي بقي منه في المغرب أيضًا عمل لا علم معه، فإنهم كما ذكرنا يتداولون أشعارًا ملقنة بتلحين ملقن لها من غير أن يدروا أي تلحين منها من أي بحر هو من البحور المعدودة ولا ينسبونه إليه ولعل ما عندهم أيضًا في ذلك من العمل فيه نقص كثير وخلل كبير لجهلهم بقانون العلم فيه، إذ كانت كل صناعة إنما يؤمن فيها من الخطأ والخلل بإحاطة العلم بأصولها وقوانينها المشتملة على فصولها وجزئياتها، وإذا كان الفضلاء في هذا العلم بعيد اسحق ابن إبراهيم الموصلي وطبقته مجمعين على أن هذه الصناعة انقرضت في ذلك التاريخ فما ظنك بها في هذا الزمان".

[27]  المرجع السابق (الباب 13)

[28]  تـ 748 هـ/1348م : مسالك الأبصار، ج 10، ص 2 - 4 "عن جمال الدين عُمر بن خضر بن جعفر عرف بابن ذاده الديسني المشرقي، سراج الدين الخرساني وكلاهما من أهل ما وراء النهر وبحضور الشيخ الفاضل شمس الدين محمد بن شكر الديري: عن أبو الفرج في كتابه الجامع، كتاب الإماء، ابن باقيا النحوي البغدادي: كتاب المحدث (وهو على طريقة القدماء، مثل الأصفهاني)".

[29]  أقدم من ذكره، قطب الدين الشيرازي (1236-1311): رسالة في الموسيقى، درة التاج لغرة الديباج؛ وصلاح الدين الصفدي (1296-1362): رسالة في علم الموسيقى [يبدو أنه منقول بتصرف قليل عن كتاب: الميزان في علم الأدوار والوزان، المنسوب لـ صفي الدين الحلي(1278- 1349)]. وهو يقترب في مضمونه من الشجرة ذات الأكمام.

[30]  اللاذقي، الرسالة الفتحية في الموسيقى، ص 135- 215.

[31]  مشاقة: 94 مقامًا؛ الخلعي: الموسيقي الشرقي، ص 6-31 = 31 مقام متداول؛ محمد ذاكر: حياة الإنسان في ترديد الألحان، حوالي 32 مقام؛ كتاب المؤتمر 1932؛  محمد صلاح الدين: مفتاح الألحان العربية، القاهرة 1950؛ سليم الحلو: الموسيقى النظرية، بيروت؛ الشجرة ذات الأكمام الحاوية لأصول الأنغام، الباب الثالث؛ محمد شهاب الدين (1795-1857): سفينة الملك ونفيسة الفلك، القاهرة، 1956؛ أحمد السفرجلاني (1818-1893): السفينة الأدبية في الموسيقى العربية، دمشق، 1308 / 1890؛ صالح الجذبة الحلبي: سفينة الحقيقة بعلم الموسيقى – مخطوط

[32]  الخط البارز للمقامات المشهورة، والسطر للمقامات التي لها وصلة من الموشحات، بين (قوسين) للوصلات النادرة. راجع سفينة شهاب الدين (تتضمن حوالي المائتين والخمسين / 250 موشحًا)؛ الموسيقي الشرقي، للخلعي (يجمع مائتين وعشرين / 220 موشحًا)؛ لم يعد معروف منها سوى حوالي ثمانين / 80 موشحًا. كذلك، فؤاد رجائي ونديم الدرويش: من كنوزنا / الموشحات الأندلسية، حلب، 1955؛ سليم الحلو: الموشحات الأندلسية، بيروت، 1965؛ اللجنة العليا: تراثنا الموسيقي، القاهرة، 1958.

[33]  مجمل المقامات الأساسية والفرعية مرتبة على حسب الدرجة الأساسية ابتداء من صوت اليكاه إلى الماهور، يبلغ عددها الجملي: 341 ، الحلو: الموسيقى النظرية، ص 88-91.

[34]  مع القول أن المقامات الفرعية وأمثالها المركبة ما هي إلا مقامات مركبة من مقامات مركبة من مقامات مختلفة.. سليم الحلو: الموسيقى النظرية، ص 82.

[35]  "13" عند النيفر: عنوان الأريب...،I / 104؛ أو "14" حسب الرزقي: الأغاني التونسية، ص 193.

[36]  نفاضة الجراب في علالة الاغتراب،  III، 241-243.

[37]  أبو علي الغوثي: كتاب كشف القناع عن آلات السماع، الجزائر، 1904 (ط. 2. 1995)، ص 193.

[38]  وأنه عادة ما يرتبط الطبع بالنوبة التي تسمى باسمه؛ والنوبات المعروفة، هي 11 في رصيد الآلة المغربية – 12 بالغرناطي، الصنعة أو المالوف بالجزائر – 13 بالمالوف التونسي – وعدد موزع على 24 مجموعة تقريبا بليبيا. راجع محمود قطاط: التراث الموسيقي العربي/المدرسة المغاربية الأندلسية، المجمع العربي للموسيقى – جامعة الدول العربية، عمان/بغداد 2002.

Mahmoud Guettat: La musique arabo-andalouse / L'empreinte du Maghreb, Montréal-Paris, 2000.

[39]  راجع في هذا الصدد، مؤلفات الكندي الموسيقية، بغداد 1962 [خاصة: رسالة في أجزاء خبرية في الموسيقى؛ كتاب المصوتات الوترية؛ رسائل إخوان الصفا، II، ص 183-218؛ وكذلك ما ذكرناه بخصوص الوتر الخامس عند زرياب.

[40]  نلاحظ هذه الاستمرارية، لدى المتأخرين، مثل صفي الدين: الأدوار (الفصل الرابع عشر)؛ ابن غيبي: جامع الألحان (الفصل الثالث من الباب الخامس)؛  وغيرهما

[41]  الموسيقي الكبير، ص ...؛ الحسن الكاتب، ص 35.

[42]  الشجرة ذات الأكمام...، الفصل الأول والثاني من الباب الثالث؛ عثمان الجندي: رسالة روضة المسرات في علم النغمات، الجداول ص 27-33.

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني