أحاديث في جامعة ستانفورد 2 - ترجمة: وفيق فائق كريشات

 

جدّو كريشنامورتي
ترجمة: وفيق فائق كريشات

 

بالأمس كنا نقول إن حياتنا كلها هي كفاح دائب. من لحظة مولدنا إلى وفاتنا، حياتنا هي ساحة حرب. ويعجب المرء، ليس على نحو مجرد بل فعلي، هل يمكن لذلك النضال أن ينتهي وهل يمكن للمرء أن يعيش بسلام تام ليس فقط داخليًا بل خارجيًا أيضًا. مع أن الحقيقة الفعلية هي أنه ما مِن تفرقة بين داخلي وخارجي - الأمر هو في الحقيقة حركة - فإنه يُنظر إلى هذه التفرقة على أنها موجودة، ليس فقط من جهة ما هي العالم داخل الجلد وخارجه، بل أيضًا من جهة ما هي تفرقة بيني وبينك، بيننا وبينهم، وبين الصديق والعدو وهلمجرا. إننا نرسم دائرة حول أنفسنا: دائرة حولي ودائرة حولك. برسمنا الدائرة - أكانت دائرة أنا وأنت، أو دائرة الأسرة، أو الأمة، صيغة الاعتقادات والعقائد الدينية، دائرة المعرفة التي يحوكها المرء حول نفسه - فإن هذه الدوائر تفرِّق بيننا ولذلك تكون هذه التفرقة الدائبة التي تُحدث العنف على نحو ثابت. لسنا نخرج خارج الدائرة البتة، لسنا ننظر خارجها البتة. إننا نخشى مبارحة دائرتنا الصغيرة واكتشاف الدائرة، الحاجز، الذي حولنا. وإنني أعتقد أن هاهنا منطلق العملية بأكملها، بنية الخوف وطبيعته. يشيد المرء حوله حاجزًا، محيطًا بعالم خصوصي صُنع بعناية شديدة من صيغ ومفاهيم وكلمات واعتقادات جازمة. ومن ثم يخشى المرء، الساكن داخل تلك الأسوار، الخروج خارجًا. هذه التفرقة لا تولد فقط شتى صور السلوك العصابي، بل أيضًا قدرًا كبيرًا من الصراع. ولو أننا هجرنا دائرة واحدة، سورًا واحدًا، فإننا نشيد سورًا آخر حول أنفسنا. هاهنا، إذًا، هذه المقاومة الدائبة، الدائمة المشيدة بالمفاهيم، وإن المرء ليعجب هل من الممكن البتة التجرد من كل تفرقة أيًّا تكن - إنهاء كل التفرقات وبالتالي وضع نهاية لكل الصراعات.

عقولنا مشروطة بالصيغ: تجاربي، معرفتي، أسرتي، بلادي، الحب واللاحب، الكره، الغيرة، الحسد، الحزن، الخوف من هذا والخوف من ذاك. تلك هي الدائرة، السور الذي أسكن خلفه. وأنا لست خائفًا مما في الداخل فقط، بل إن خوفي الأكبر هو مما خارج السور. يمكن للمرء أن يلاحظ هذه الحقيقة ببساطة شديدة في نفسه من غير حاجة إلى قراءة الكثير من الكتب، إلى دراسة الفلسفة وكل البقية. لعل من المحتمل جدًا أن قراءة المرء للشيء الكثير مما قاله الآخرون هي السبب في أنه لا يعرف شيئًا عن نفسه، عما هو عليه بالفعل، وعما يحدث فيه بالفعل. لو نظرنا في أنفسنا، متجاهلين الأمور التي نعتقد أن من الواجب علينا أن نكونها مشاهدين فقط ما نحن عليه فعليًا، فلربما اكتشفنا بأنفسنا وجود هذه الصيغ والمفاهيم - وهي تحاملات وانحيازات حقًا - التي تفرق الإنسان عن الإنسان. وعليه، في كل العلاقات بين الإنسان والإنسان خوفٌ وصراعٌ - ليس فقط صراع على الحقوق الجنسية، على الحق في الأرض، بل أيضًا الصراع بين ما قد كان وما هو كائن وما ينبغي أن يكون.

متى يلاحظ المرء هذه الحقيقة في نفسه - ليس كفكرة، ليس كشيء تنظر فيه من خارج النافذة - بل تراه في نفسك فإنه يتمكن من اكتشاف هل من الممكن البتة تجريد العقل من حال مشروطيته لكل الصيغ، لكل الاعتقادات، التحاملات والمخاوف وبالتالي، ربما، يعيش بسلام. نرى أن الإنسان، تاريخيًا وفي الأزمنة الحاضرة معًا، قد قَبِل الحرب سبيلاً للحياة. وعليه، تصبح مسألة كيف يوضع حدٌّ للحرب - ليس لحرب بعينها بل لكل حرب - كيف يعاش بسلام على نحو مطلق من غير أي صراع تصبح مسألة ليس للفكر فقط بل مسألة يجب أن يجاب عليها إجابة شاملة، ليس على نحو متشظًّ ولا في الميادين التخصصية. هل يمكن للإنسان - أنت وأنا - أن نعيش بسلام على نحو تام - وهذا لا يعني العيش عيشة بليدة، أو عيشة بلا طاقة فعالة، محرِّكة - هل يمكننا اكتشاف إن كان سلام كهذا ممكنًا؟ من المؤكد أنه يجب أن يكون ممكنًا، وإلا سيكون لحياتنا قدر ضئيل من المعنى. يحاول أهل الفكر في أرجاء العالم أن يجدوا للحياة مغزى أو أن ينسبوا إليها معنى. يقول أهل الأديان بأسرهم أن الوجود هو فقط وسيلة لغاية، هي الله - حيث الله هو المغزى الحقيقي. إن صادف مكنت شخصًا غير ديني فإنك تستبدل الدولة بالله، أو تخترع نظرية أخرى من يأسك.

بحثنا هو، إذًا، أن نكتشف كيف يمكن للإنسان العيش بسلام؛ يعيش فعليًا، لا نظريًا، ليس كفكرة، ليس كصيغتك التي بحسبها سوف تعيش بسلام. الصيغ كهذه تصبح، من جديد، أسوارًا - صيغتي وصيغتك، مفهومي ومفهومك، مع التفرقة الناتجة عن ذلك ومع القتال الدائم. هل يمكن للمرء العيش من غير صيغة، من غير تفرقة، وبالتالي من غير صراع؟ لا أدري هل طرحتم يومًا تلك المسألة على أنفسكم بكل الجدِّ: هل يمكن للعقل البتة التحرر من هذه التفرقات: "أنا" و"ليس أنا"؟ "أنا"، أسرتي، بلادي، إلهي؛ أو إذا لم يكن لي إله، الـ"أنا"، أسرتي، الدولة؛ وإذا لم تكن لي دولة: أنا، أسرتي، الفكر، الإيديولوجيا.

هل من الممكن تحرير المرء لنفسه من هذا كله، ليس في آخر الأمر، بل بين عشية وضحاها؟ إذا كنا نعلل النفس بأمل النظرية النهائية فنحن لسنا عائشين البتة: "في آخر الأمر" سنكون أحرارًا، أو "في آخر الأمر" سنعيش في سلام. من المؤكد أن ذلك ليس حسنًا على نحو كاف: عندما يجوع الإنسان فإنه يريد أن يُطعَم فورًا. ما هو، إذًا، الفعل الذي سيحرر العقل من كل مشروطية - الفعل، وليس سلسلة الأفعال؟ لدينا هاهنا هذه الفعالية المتمركزة حول الذات والتي تخلق هذه التفرقات: الفعالية المتمركزة حول الذات، حول مبدأ، إيديولوجيا، بلد، اعتقاد، حول الأسرة وهلمجرا. هذه الفعالية المتمركزة حول الذات هي فعالية محدِثة للانفصال ولذلك هي تسبب في الصراع. الآن، هل يمكن لهذه الحركة، حركة الصيغة - وهي الـ"أنا" مع ذكرياتها، التي هي المركز الذي تشاد حوله الأسوار - هل يمكن لتلك الـ"أنا"، ذلك الكيان المنفصل مع فعاليته المتمركزة حول الذات، أن تنتهي، ليس بسلسلة من الأفعال بل بفعل واحد على نحو تام؟ تدرون أننا نحاول تفتيت الصراعات شيئًا فشيئًا، نقطع الشجرة شيئًا فشيئًا من غير أن نصل إلى جذرها البتة. ويسأل المرء هل من الممكن البتة، بفعل واحد، وضع نهاية لكامل بنية التفرقة هذه، الانفصال، الفعالية المتمركزة حول الذات - وكلها تولِّد الصراع، الحرب، النزاع. هل هو ممكن؟

عندما يطرح المرء هذه المسألة بكل جدية، فهل ينتظر جوابًا من الغير؟ بعد أن وضعت تلك المسألة أمامكم، فهل أنتم منتظرون جوابًا من مكلِّمكم؟ ليس الموضوع هو أن مكلِّمكم يتحاشى الإجابة، لكن هل أنتم منتظرون أن تجابوا؟ إذا كنتم جادُّون كل الجدِّ - ولقد قلنا بالأمس إنه يجب على المرء أن يكون كذلك لأن الشخص الجاد هو فقط الذي يعرف الحياة، الذي يعرف ما هو العيش - فهل ستنتظرون جوابًا؟ إن تنتظروا جوابًا من مكلِّمكم يكن الجواب رمادًا كثيرًا جدًا، كلمات كثيرة جدًا، أفكارًا كثيرة جدًا، سلسلة أخرى من الصيغ التي، بنفسها، سوف تصبح حينئذ سببًا آخر للتفرقة: صيغة كريشْنامورْتي أو صيغة أحد آخر. لكن إن لم ننتظر جوابًا من أحد - ومن ذلك مكلِّمكم - أمكننا القيام بالرحلة معًا. حينئذ تكون المسؤولية مسؤوليتكم، ومسؤولية مكلِّمكم أيضًا. حينئذ لا تكونوا مجرد مصغين للكلمات، للأفكار. حينئذ نكون كلانا نمشي معًا، وهذا ما أعتقد فيه أنه مهم جدًا، ونحن نتخلص من هذه التفرقة بين مكلِّمكم وبينكم؛ نحن معًا نكتشف، نفهم، نفعل، نعيش - ليس بحسب أية صيغة. حينئذ تكون علاقة مباشرة بيننا في قيامنا بالرحلة، لأننا كلينا نتحسس سبيلنا إلى داخل الواقع: الواقع - لا الكلمات، الوصف، التعليل أو فلسفات العقل الماكر.

وعليه، ومع افتراض أن المرء جاد على نحو كافٍ، فما هي مشكلتنا؟ كيف عسانا نعيش حياتنا اليومية هاهنا - ليس في دير أو في عالم من عوالم الأحلام الرومانسية، ليس في عالم عاطفي، عَقَدي، محمول على المخدرات - بل هنا والآن، كل يوم؛ كيف عسانا نعيش بسلام عظيم، مع ذكاء عظيم، من غير إحباط أو خوف، كيف عسانا نعيش على نحو تام، في حال من السعادة التامة - وهي تنطوي بالطبع على التأمل - تلك هي، حقًا، المشكلة الأساسية. وهي أيضًا هل من الممكن أن نفهم هذه الحياة بأكملها، ليس في شظايا، بل على نحو تام: أن نكون ضالعين فيها على نحو تام وأن لا نعتنق أي جزء منها؛ أن نكون ضالعين مع كل عملية العيش من غير أي صراع، تعاسة، حيرة أو حزن. تلك هي المسألة الحقيقية. لأنه حينئذ فقط يمكن للمرء أن يُحدث عالمًا مختلفًا. تلك هي الثورة الحقيقية، الثورة النفسية الداخلية التي تنبثق منها ثورة خارجية فورية. لنقم، إذًا، بالرحلة معًا - وأنا أعني قولي معًا، لا وأنتم جالسون هناك وأنا جالس على المنبر - لننظر معًا إلى ميدان الحياة هذا بأكمله بحيث أننا نفهمه؛ لا أن يفهمه أحد ما ومن ثم يُنبئنا كيف فهمه. حينئذ فقط سنكون كلانا المعلم والتلميذ.

نرى أن هذه التفرقات، هذه الصيغ هي صُنْع الـ"أنا" والـ"لاأنا"، والـ"نحن" والـ"هم"، التي نعيش وراءها، هذه تولد الخوف. وإن يمكن للمرء أن يكون واعيًا لهذا الخوف الإجمالي، هذا الخوف الكلي، يمكنه أن يفهم خوفًا بعينه. لن يكون لمجرد محاولة الفهم لخوف معين، صغير سخيف، لكن مزخرف، لن يكون لها معنى ما لم تفهموا مسألة الخوف برمتها. يدمِّر الخوف الحرية. قد تثورون، لكن ليسَ ذلك حرية. يُضل الخوف الفكر كله. يدمر الخوف في ذات المرء كل علاقة. رجاءً، ليست هذه مجرد كلمات: هذا ظاهر في حياة المرء بأكملها - خوف من البداية إلى النهاية. الخوف من الرأي العام، الخوف من عدم النجاح، الخوف من الوحدة، الخوف من ألّا نُحَب، قياس أنفسنا بالبطل الذي هو ما "ينبغي أن يكون" وهكذا يولد المزيد من الخوف. أضف إلى هذا أن هذا الخوف لا يقع فقط على المستوى الظاهر للعقل بل إنه أيضًا يمضي عميقًا. ونتساءل هل يمكن لهذا الخوف أن ينتهي - ليس بالتدريج، نتفة فنتفة، بل على نحو تام.

ما هذا الخوف؟ لماذا يخاف المرء؟ هل السبب يقوم خارج الدائرة، أو داخل الدائرة، أم إن السبب هو الدائرة؟ أنتم متابعون لما نعنيه؟ لسنا نحاول اكتشاف السبب الخاص لهذا الخوف، لأن، كما قلنا بالأمس، اكتشاف السبب، العملية التحليلية لفهم السبب والنتيجة، لا يُنهي الخوف بالضرورة - لقد لعب المرء تلك اللعبة زمانًا طويلاً. لكن عندما يرى المرء هذا الخوف - مثلما يرى المرء هذا الميكروفون، ما هو فعليًا - فهل يكون داخل السور، أم على الجهة الأخرى من السور، أم أنه موجود بسبب السور؟ من المؤكد أنه موجود بسبب السور، بسبب التفرقة وليس بسبب أنك داخل السور أو أنك خائف أن تنظر خارج السور. إنه موجود كما هو وجودًا حقيقيًا، كما تلاحِظه، بسبب السور. الآن، كيف يأتي هذا السور إلى الوجود؟

رجاءً، تذكروا هاهنا أننا نقوم بالرحلة معًا وأنكم غير منتظرين جوابًا من مكلِّمكم. إننا نقوم بالرحلة معًا ممسكين بالأيادي، وما مِن هدف لأن تنفصل بغتة، تنزع يدك قائلًا: "تقدَّموني وأخبروني بكل شيء عن الأمر". بالارتحال معًا، يصبح تواصلنا اللفظي أكثر من مجرد تواصل: يصبح نوعًا من التشارك، فيه مودة ورحمة وفهم لأنه معني بمشكلتنا الإنسانية المشتركة. ليس الأمر هو أن المشكلة قد كانت مشكلتي وأنني قد حللتها وأنه عليكم، بالتالي، أن تقبلوا حكمي. إنها مشكلتنا نحن.

كيف وجِد، إذًا، هذا السور، سور المقاومة والتفرقة والفصل؟ في كل ما نفعله، في كل علاقاتنا مهما تكن حميمية، في كل ذلك هذه التفرقة المحدثة للحيرة والتعاسة والصراع. كيف وجِد هذا الحاجز؟ لو أنه يمكن للمرء أن يفهمه فهمًا حقيقيًا - لا لفظيًا، لا فكريًا - بل أن يراه ويحسه فعليًا، إذًا لوجد أنه يبلغ نهايته. فلنبحث فيه. لقد تساءلنا كيف وجد هذا السور. إنني لأعجب ماذا ستقولون لو تعيَّن عليكم الإجابة على ذلك. الآن عند كل واحد منا رأي أو أنه سيقدم رأيًا - رأيي صواب ورأيك خطأ. من الناحية الجدلية يمكننا فحص الأمر، لكننا لسنا معنيين بالفحص الجدلي والوصول إلى استنتاج محدد. الحقيقة لا يُعثر عليها في الرأي أو الاستنتاج. الحقيقة هي شيء هو دائمًا جديد ولذلك لا يمكن للعقل أن يبلغها باستنتاج، برأي، حُكم؛ يجب أن يكون حرًا. عندما نطرح، إذًا، هذه المسألة عن كيف وجد سور المقاومة هذا، فنحن لا نطلب رأيًا ولا نطلب من شخص ذكي غزير المعلومات أن يخبرنا كيف - لأنه ما مِن مرجعية. إننا نراقب المسألة معًا، نفحصها معًا، نتحسس سبيلنا داخلها.

من المؤكد أن السور قد وُجد بواسطة آلية الفكر. لا؟ رجاءً، لا ترفضوا ذلك: فقط لاحظوه: الفكر. لو لم يكن تفكير في الموت لم تكونوا لتخافوا من الموت. لو لم تربوا لتكونوا مسيحيين، كاثوليك، بروتستانتيين، هندوس، بوذيين، أو شيئًا آخر الله أعلم به: لو لم تُجعلوا مشروطين بالدعاية، بالكلمات، بالفكر، لم يكن في وجهكم حاجز. ومن الممكن للمرء أن يرى كيف يُحدث الفكر، بصورة الـ"أنا" والـ"أنت"، كيف يُحدث هذا. الفكر، إذًا، ليس فقط يخلق هذا السور مع فعالياته المتمركزة حول الذات، بل إنه يخلق أيضًا فعاليتك أنت داخل سورك. الفكر، إذًا، هو الذي يخلق الخوف، بإحداثه للتفرقة. الفكر هو الخوف، كما إن الفكر هو اللذة. أرى شيئًا جميلاً جدًا: وجهًا جميلاً، غروب شمس جذابًا، حادثًا ممتعًا من الأمس؛ يفكر الفكر فيه: كم كان سارًّا. رجاءً، لاحظوا هذا: كم هي جذابة تلك التجربة، والفكر، بنفس فعل التفكير، يعطي تلك التجربة استمرار اللذة. الفكر، إذًا، ليس مسؤولًا فقط عن الخوف بل هو مسؤول أيضًا عن اللذة. من الجلي أن هذا واضح جدًا. لأنك استمتعت بالوجبة عصر هذا اليوم، أنت ترغب في أن تتكرر؟ أو قد كانت لك تجربة جنسية، والفكر يفكر فيها، يفكر فيها مليًا، يمضغها، يخلق الصورة، الهيئة، ويريد أن تتكرر. هذه لذة متكررة، وهي ما تدعوه حبًا. ولأن الفكر قد خلق هذه الدائرة، الحاجز، المقاومة، الاعتقاد، فهو يخاف انهياره، مما يسمح بدخول شيء ما من خارج السور. يولد الفكر، إذًا، الخوف واللذة كليهما. لعلكم لن تستطيعوا أن تنالوا لذة من غير خوف؛ إنهما متلازمان، لأنهما ابنا الفكرِ. والفكر هو الابن العقيم لعقل ليس يعنيه سوى اللذة والخوف. رجاءً، لاحظوه. دعوني أذكِّركم مرة أخرى أننا نقوم بالرحلة معًا: أنتم متفحصون لأنفسكم، مراقبون لأنفسكم في مرآة الكلمات.

الخوف والألم واللذة هي، إذًا، نتيجة للفكر. ومع ذلك فمن الواجب على الفكر أن يعمل بصورة منطقية، ومعقولة وصحية وموضوعية حيثما احتيج إليه في العالم التقاني - ليس في العلاقة الإنسانية، لأنه في لحظة دخول الفكر إلى العلاقة الإنسانية يكون الخوف؛ حينئذ، في ذلك، تكون اللذة والألم. لست أقول شيئًا جنونيًا: يمكنكم رؤية هذا بأنفسكم. الفكر هو استجابة الذاكرة والتجربة والمعرفة ولذلك هو دائمًا قديم ولذلك لا يكون حرًا البتة. ههنا "حرية الفكر"، قطعًا: أعني أن تقولوا ما تريدون. لكن الفكر نفسه لا يكون حرًا البتة ولا يمكنه إحداث الحرية البتة. يمكن للفكر أن يديم إما الخوف أو اللذة أما الحرية فلا. وحيثما يكون الخوف واللذة ينعدم وجود الحب. ليس الحب هو الفكر ولا اللذة. لكن الحب عندنا هو اللذة وبالتالي الخوف.

متى يكن المرء واعيًا لموضوع الحياة هذا بأكمله كما هو - ليس كما نحب أن يكون، ليس بحسب فيلسوف ما أو كاهن مقدس، بل كما هو فعليًا - فإنه يسأل هل يمكن للفكر أن يتخذ مكانه الصحيح وأن لا يتدخل، مع ذلك، في كل علاقة البتة. ليس يعني هذا الأمر التفرقة بين حالي الفكر واللافكر. ترون، يا سادتي، أن على المرء أن يعيش في هذا العالم وأن يكسب ما يعيش عليه، لسوء الحظ، وأن يذهب إلى المكتب. إذا حدث وقامت حكومة لائقة، حكومة للعالم الواحد فلربما لن نحتاج إلى عمل مدته أكثر من يوم واحد، بعد ذلك نكون تاركين الحواسيب لتحل محلنا مما يتيح لنا قدرًا من الفراغ. لكن طالما أن ذلك لم يحصل فعلى المرء أن يكسب معيشته وأن يكسبها بكفاية وبكل معنى الكلمة. لكن في لحظة صيرورة تلك النهاية قبيحة بالجشع، مثلاً، أو بهذه الرغبة الرهيبة في النجاح وفي أن نكون أحدًا ما، فإن حاجز الـ"أنا" والـ"لاأنا" يقفز إلى الوجود، محدثًا التنافس والصراع. وإذ أدركنا هذا كله، كيف عسانا نعيش على نحو لائق، بكفاية، من غير التجرد من الرحمة وأن نعيش مع ذلك في علاقة تامة، ليس فقط مع الطبيعة ولكن أيضًا مع كائن إنساني آخر، علاقة ليس فيها ظِلُّ الـ"أنا" والـ"أنت" - الحاجز الذي خلقه الفكر؟

متى يرَ المرء فعليًا هذا الشيء الذي نتحدث عنه - ليس لفظيًا بل فعليًا - تكن نفس الرؤية، الرؤية الفعلية، هي الفعل الذي يهدم سور الفصل. متى ترَ خطر أي شيء، كالجرف أو الحيوان البري وهلمجرا، يكن الفعل. إن فعلًا كهذا قد يكون نتيجة لحال المشروطية، بيد أنه ليس فِعل الخوف: إنه فِعل الذكاء.

على نحو مماثل، إن رؤية هذه البنية بأكملها رؤية عقلية، رؤية طبيعة هذه التفرقة، الصراع، النزاع، التعاسة، التركز حول الذات - إن رؤية خطرها فعليًا يعني نهايتها. ما مِن "كيف". المهم، إذًا، هو القيام بالرحلة داخل هذا كله - ليس بقيادة الغير، لأنه ما مِن دليل - بل رؤية العالم كما هو: الحيرة الاستثنائية، حزن الإنسان الذي لا ينتهي، رؤيته فعليًا. حينئذ تكون رؤية بنيته بأكملها هي نهايتها.

لعلنا يمكننا، إن أردتم، أن نتكلم في الأمر بطرح المسائل. نعم، يا سيدي؟

سائل: ما معنى رؤية شيء ما "فعليًا"؟

كريشْنامورْتي: هل ترى زوجتك أو زوجك فعليًا، أم تراهما من خلال صورة، من خلال حجاب الآراء والاستنتاجات - ولذلك لا تراهما البتة؟ إن يكن الأمر كذلك فلا يمكن لعلاقة أن توجد البتة، لأن العلاقة تعني الاتصال المباشر، الارتباط. إن يكن الزوج طموحًا، جشعًا، حسودًا، طالبًا للنجاح، قلقًا، مهزومًا، عائشًا في دائرته الخاصة، وكذلك الزوجة عائشة في دائرتها الخاصة، فأين العلاقة؟ ومع ذلك فإن ذلك ما ندعوه علاقة: أسرتي بإزاء بقية العالم. إن أرَ ذلك، أرَ الصورة الفعلية التي أنظر من خلالها - ليس صورة مخترعة بل الصورة الفعلية كما هي - فإن نفس فعل رؤية الحقيقة ذلك يطرد الصورة.

تعلمون أن طرح مسألة هو من أصعب الأشياء. لكن يجب علينا أن نطرح مسائل، يجب علينا أن نشك في كل شيء على هذه الأرض: أن نشك في استنتاجاتنا، أفكارنا، الآراء، الأحكام - أن نشك في كل شيء - وأن نعِلم أيضًا، ومع ذلك، متى لا نشك. مثال ذلك هو الكلب المربوط، إذ يجب أن تطلقه أحيانًا، لأن بالحرية وحدها يكتشف المرء الحقيقة. لكن طرح مسألة، المسألة الصحيحة، يحتاج إلى قدر عظيم من اليقظة والذكاء والوعي للمشكلة. يمكنني أن أتساءل تساؤلًا عرضيًا من غير الدخول في المشكلة حقيقةً، أن أسعى لجواب سعيًا عرضيًا، أما لو دخلت في المشكلة بكل قلبي وعقلي، لا محاولاً الهروب منها، يكن الجواب في نفس النظر في تلك المشكلة. ولذلك، متى يطرح المرء مسألة - وليس معنى هذا أن مكلِّمكم يمنعكم من طرح المسائل - متى يطرح المرء مسألة يجب عليه أن يكون مسؤولًا ليس فقط عن التساؤل بل أيضًا عن تلقي الجواب. كيف تتلقى الجواب هو أهم من كيف تطرح المسألة، لأن الجواب قد يكون مما لا تحبه البتة. قد ترفضه لأنه، في وقته، لا يسرك، أو لأنك لا ترى قيمته، أو لأنك تفكر تفكير المنفعة.

سائل: لست متأكدًا من الاختلاف بين الفكر والشعور والإحساس والعاطفة.

كريشْنامورْتي: سيدي، ما الإحساس؟ مثيرٌ. ترى وجهًا جميلاً، لونًا جذابًا. هذا الإدراك يتبعه الإحساس، ثم الاتصال المباشر، ثم الرغبة، وأخيرًا يأتي الفكر قائلاً: "آه- ! أتمنى لو أنال ذلك!" هناك تكون لنا هذه الحركة بأكملها، حركة الإدراك، الإحساس، الاتصال المباشر، الرغبة - التي تُعزز بالفكر: "أريده"، أو "لا أريده"؛ "إنه لي" و"ليس لي". ثم تبرز المسألة هل إدراك الوجه الجميل أو غروب الشمس الجذاب ممكن من غير تدخل الفكر، أو، بعبارة أخرى، هو يمكن أن تكون حال من اللاخبرة، إنما إدراك فقط - وهو أعظم من الخبرات كلها. هل إنني قد شرحت الأمر أم إنني أقول شيئًا له وقع غير مفهوم بل جنوني؟ انظر، يا سيدي، ههنا إدراك لسيارة جميلة (ضحكات، ينضم إليها الجمهور) - لعل وجهًا جميلاً يكون أحسن (ضحك) - ثم يكون إحساس: تريد أن تلمسه، أن تنظر إليه. وأخيرًا يأتي الفكر وتبدأ آلية اللذة والألم بأكملها. الآن، هل يمكن أن تكون ملاحظةٌ لذلك الوجه من غير تدخل مبدأ الألم واللذة؟ تفهم ما أتحدث عنه؟ سيدي، هذه حقًا مشكلة مثيرة للاهتمام جدًا.

إننا نتكل على الآخرين كثيرًا، نفسيًا. يقوم ذلك الاتكال على الخوف واللذة. لمعرفة المرء بألم الاتكال فإنه يحاول أن يتعهَّد التحرر من الاتكال، لكن نفس ذلك التعهُّد يولد صورًا أخرى من الخوف والألم والصراع. لا يطرح المرء البتة مسألة لماذا يتكل، نفسيًا، على الغير. إنك تتكل على منتج الحليب، ساعي البريد، وهلمجرا، بيد أن تلك قضية مختلفة جدًا. لكن ما السبب في هذا الاتكال نفسيًا، داخليًا؟ هل السبب هو أن المرء وحيد، أنه ليس عنده شيء في نفسه، أنه ليس فيه كفاية لنفسه؟ إن الشيء الذي تتكل عليه هو نفسه، ليس هو نفسه، نتاج للإحساس واللذة؛ لذلك فإن الاتكال هو نتاج الفكر وسببه معًا. صحيح؟ وهذا يساعد على بيان أن الخبرة هي قضية مركبة. ومع ذلك فإننا جميعًا نسعى إلى خبرات أعظم مقدارًا وأكثر غنى بالمعنى. لم نقف أبدًا حتى نشك في الحاجة، نفسيًا، إلى الخبرة. لقد قبلنا، كما نقبل الكثير من الأشياء، أن الخبرة ضرورية للتنوُّر، للفهم، للسعادة الدائمة، بينما، على خلاف ذلك، العقل البريء هو وحده القادر على نيل السعادة التامة - وليس العقل المثقل بعبء الخبرات. أضف إلى ذلك أن عماد هذه الخبرات هو هذه التفرقة، تفرقة الخوف واللذة، حيث تُنبذ جانبًا كل الخبرات ما عدا التي نحبها أو لا نحبها.

سائل: هل يحتاج الحب الحقيقي للنمو؟

كريشْنامورْتي: هل من حب زائف؟ (ضحك) أيها السادة، لا تضحكوا - إنه من السهل جدًا الضحك من الأشياء التي تمس المرء عميقًا. لكن بالضحك ننحيها جانبًا. هل نعلم ما هو الحب؟ أم إننا نعلم فقط الألم، اللذة، الغيرة، عذاب ما ندعوه الحب؟ هل يمكن لرجل طموح، لرجل تنافسي، هل يمكن لرجل مختص، أن يعرف ما الحب؟ هل يمكن للرجل الخائف من أن يفشل، أو المكافح ليصبح شخصًا ناجحًا، هل يمكنه أن يعرف ما هو الحب؟ هل يمكن البتة أن يكون فيك حب وغيرة في نفس الوقت؟ هل يمكن البتة لرجل عاشق أو امرأة عاشقة هل يمكن لأي منهما أن يكون غيورًا، أن يهيمن، أن يمتلك، أن يحوز، أن يكون متكلاً؟ من الناحية الفعلية كل ما نعرفه هو لذة ما ندعوه الحب وألمه، الحب الذي يترجم عمومًا إلى جنس. يصبح الجنس، إذًا، مشكلة استثنائية. ليس الأمر هو أننا نعارضه - إنه لمن المهول أن نعارض شيئًا - بيد أن المرء يراه كما هو. أنتم تعلمون فقط ألم ما ندعوه الحب ولذته، ولذلك فهو ليس حبًا. الحب لا يمكن تعهده - لو أمكن ذلك لكان شيئًا رائعًا؛ أن يُتعهد مثل نبات، أن يُسقى، أن يغذى، أن يعتنى به. إن يمكنكم فعل ذلك بالحب يكن أمرًا بسيطًا جدًا، لكنه لسوء الحظ لا تصلح معه تلك الطريقة. أن تحب هو أمر مختلف جدًا ليس فيه ألم أو لذة. لذلك يجب على المرء أن يفهم هذا الخوف واللذة وكل البقية، بحيث أنه لا تكون تفرقة.

سائل: الحقيقة هي أن العالم في اضطراب والإنسان في يأس. تلك هي الحقيقة. ما الذي يمكنه، إذًا، تغيير الإنسان؟ بل هل هو ممكن؟

كريشْنامورْتي: سيدي، هل العالم منفصل عنا؟ ألسنا، كل واحد منا، في اضطراب، في حيرة - ليس فقط ظاهريًا بل في صراع: صراعات الأضداد، التناقضات، الرغبات المتعارضة؟ ذلك كله هو اضطراب. وتتساءل هل الأمر يستحق تغيير ذلك كله. هل تلك هي المسألة؟

سائل: لا، ليس بالضبط. هاهنا هذه الرغبة في التغيير، لكن، وبالنظر إلى المواجهة مع حقيقة الاضطراب في العالم، ما عساها تكون طبيعة التغيير؟

كريشْنامورْتي: طبيعة التغيير هي نفي الاضطراب. لا يمكن جعل الاضطراب نظامًا. لكن رفْض الاضطراب هو طبيعة التغيير: إن نفس الرفْض هو التغيير. إن نفي الاضطراب هو طبيعة التغيير الموجبة. أعني أنني أرى الاضطراب في نفسي: الغضب، الغيرة، الوحشية، العنف، الارتياب، الذنب - أنت تعلم ما هي الكائنات الإنسانية. أنا واعٍ لها. العقل واعٍ كليًا لهذا الاضطراب كله. هل يمكن نفيه على نحو تام، ينحيه جانبًا؟ متى يفعل ذلك، بالنفي، تكن طبيعة التغيير هي النظام الموجب. الموجب يمكن أن يأتي فقط بواسطة السلبي. انظر، يا سيدي، إنني أرى القومية، تفرقة الأديان، الانفصال الذي يحدثه الاعتقاد، الصراع كله، الاضطراب: أرى ذلك فعليًا، أشعر به في دمي. وأنحيه جانبًا، ليس لفظيًا، بل فعليًا: في نفسي أنا لا أنتمي إلى بلد، ولا إلى دين، ولا أؤيد عقيدة، لا اعتقادًا. وعليه فإن ذلك النفي لما هو باطل، الذي هو طبيعة التغيير، هو الحقيقة.

سائلة: ألا يناقض هذا ما قد قلته، من أنك عندما تجد الغيرة داخلك، أنك لا تنفيها، ولكنك تصبح تلك الغيرة؟

كريشْنامورْتي: لا، يا سيدتي. لقد قلت إن الملاحِظ هو الملاحَظ. متى يكن انفصال من جهة الملاحِظ القائل: "أنا مختلف عن الغيرة"، يكن صراع بين الملاحِظ والشيء الملاحَظ. لنتقدم ببطء. المشكلة الإنسانية هي، مثل كل شيء آخر، معقدة جدًا تعقيدًا حقيقيًا. فلنلعبْ بها قليلاً ولنرَها بأنفسنا. تعلمين أنه متى تكن الزوجة ليست هي أنا بل هي منفصلة عني فإنه لا تكون علاقة. حينئذ الـ"أنا" تلاحظ الزوجة بصفتها كيانًا منفصلاً، وهي تفرقة تفضي إلى الصراع. ذلك واضح. متى تكن الـ"أنا" منفصلة عن غيرتها يكن الصراع؛ مثال ذلك: "كيف أتخلص منها، من الصواب أن أكون غيورًا، من الممتع أن أكون غيورًا، إنه لجزء من الحب أن أكون غيورًا"، وكل البقية. لكن متى لا تكون تفرقة بين الملاحِظ والشيء الذي يدعوه غيرة يكن هو إياها. ليس يصبح هو الغيرة، يكون هو إياها. ماذا ستفعلين حينئذ؟ تفهمين المشكلة؟

الجمهور: ذلك، يا سيدي، ما تتساءل السيدة عنه. إنها تتساءل كيف يمكنك نفي ما هو أنت. لقد قلت إن نفي الاضطراب هو التغيير والسيدة تتساءل: "إن أكن أنا الاضطراب فكيف يمكنني نفيه؟"

كريشْنامورْتي: آه! سوف أشرح. كيف يمكنني نفي الاضطراب إذا كنت أنا الاضطراب؟ أنا الأمة، أنا الاعتقاد، الاضطراب. إن تكن الـ"أنا" تنفي الاضطراب فإن نفس تلك الـ"أنا"، وهي منفصلة، سوف تخلق صورة أخرى من الاضطراب. تلك هي مسألتك، يا سيدتي، صحيح؟ عندما تقولين "نفي الاضطراب" ماذا تعنين بذلك؟ من سينفي الاضطراب؟ رجاء، تابعي هذا ببطء، خطوة خطوة. هذا الاضطراب هو سبب الفكر: اعتقادي واعتقادك، إلهي وإلهك، صيغتي وصيغتك، تحاملي بإزاء تحاملك. أنا، إذًا، هو ذلك الاضطراب والفكر هو ذلك الاضطراب، لأنني أنا الفكر. صحيح؟ الفكر هو أنا والـ"أنا" هو الاضطراب. متى ينفِ المرء هذا، إذًا، ينفِ الفكر، لا الاضطراب: ليس "أنا" ينفيه. انظري، أنا الاضطراب. هذا الاضطراب يُخلق بالفكر، الذي هو أنا والذي يُحدث الانفصال. تلك حقيقة. ما سلبُ هذه الحقيقة، إذًا؟ من الذي سيرفض هذا الاضطراب وينحيه جانبًا؟ ما الذي سيغير هذا؟ هل ذلك واضح؟ الآن نفي الاضطراب هو الصمت.

إن أية حركة للفكر إنما سوف تولد المزيد من الاضطراب. وعليه، سوف تسألين كيف عسى الفكر ينتهي، من سوف يوقف هذه الحركة الدائمة المستمرة ليلاً ونهارًا؟

يجب على الفكر أن يرفض نفسه. يرى الفكر نفسه ماذا يفعل - صحيح؟ - ولذلك فإن الفكر نفسه يدرك أنه عليه بنفسه أن ينتهي. ما مِن عامل آخر سوى نفسه. لذلك متى يدرك الفكر أن كل ما يفعله، كل حركة يتخذها، هو اضطراب (ونضرب هذا مثلاً) حينئذ يكون الصمت. طبيعة التغيير من الاضطراب هي الصمت. لا أدري إذا كنت قد رأيت ذات يوم خاصية الصمت أو شعرت بها: عندما يكون العقل والبدن هادئين هدوءًا استثنائيًا. أعني عندما تريدين رؤية شيء ما بوضوح شديد، عندما تريدين أن تسمعي بكل قلبك وعقلك ما يقال، يكن بدنك هادئًا وعقلك هادئًا. ليس في الأمر خدعة. إنه هادئ. بنفس الطريقة، الاضطراب وطريقة التغيير يُحلَّان فقط متى يكن صمت تام. إن الصمت هو الذي يُحدث النظام، لا الفكر.

سائل: هل يحاول الإنسان دائمًا امتلاك ما هو لذيذ عنده؟

كريشْنامورْتي: ألسنا جميعًا نفعل ذلك؟ ألسنا جميعًا نريد امتلاك ما قد أعطانا لذة - صورة على الجدار، بناء، امرأة، رجل؟ وعليه، متى نمتلك قطعة الأثاث التي نحبها نكن نحن الأثاث. والألم داخل في ذلك التملك لأن الأثاث قد يُفقَد. لهذا السبب نتشبث بزوجنا، بزوجتنا، بأسرتنا. تحاك الدائرة الرائعة حول الأسرة، فتضعها في قتال مع بقية العالم. يتساءل المرء هل يمكن للأسرة أن توجد من غير الدائرة، من غير السور. من كان منكم عنده أسرة فليجرب ذلك ولينظر ماذا يحصل. سوف ترون أمرًا مختلفًا تمامًا قد حصل. حينئذ قد تعلمون ما الحب وترون بأم عينكم طبيعة التغيير الذي يحدثه الحب.

*** *** ***

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني