مختارات من فكر سادغورو جاغي فاسوديف

 

سادغورو جاغي فاسوديف*

ترجمة: مركز إيشا

 

الصفر – إمكانيَّة لانهائيَّة

العمليَّة الروحية هي دائمًا إمَّا أنْ تصبح صفرًا أو تصبح لانهائيًا. فأنت تتعامل معها بأيَّة طريقةٍ تناسبك، لكنهما ليسا مختلفين. فأي شيءٍ دائمًا نهائيٌ. واللاشيء لانهائي. فكيف للاشيء واللانهائي أنْ يكونا الشيء ذاته؟ إذا كنت تريد رقمًا كبيرًا حقًا، فهل تضيف 1 أو 2 أو 3 أو 4 أو 5 أم تضيف 0، 0، 0، 0، 0؟ الصفر يعني لاشيء، ولكن اللاشيء هذا يجعل العدد رقمًا لانهائيًا. الشيء الأكثر روعة في الرياضيات هو الصفر، وهذا لم يحدث عن طريق الصدفة. إنَّما حدث نتيجة تحقُّق معيَّن. عندما نظر النَّاس إلى الداخل وسقطوا في فراغ العدم، وُلد الصفر. ليس من قبيل الصدفة أنْ يأتي الصفر من الشَّرق، لأنَّ هذا هو نتاج مسعى حياتِهم كلِّها.

علم اليوغا هو التقنية التي تجعل من أنفسنا صفرًا

علم اليوجا هو التقنية التي تجعل من أنفسنا صفرًا لأنَّ الصفر ليس بالأمر البسيط. فالصِّفر لانهائيٌ، إنَّه البداية الأولى لكلِّ شيء. إنَّه حالة لا حصر لها. والحالة التي لا حصر لها هي حالة صامتة. وقد تبدَّد الصمت فقط عندما دخلت الأرقام. هناك جسدٌ واحد، ولكن انبثقت منه يدان. وهذه أرضٌ واحدة، قد نشأ منها الكثيرون. وهذا وجودٌ واحد، نشأ منه العديد من الأكوان. جميع الثقافات الرُّوحية تطمح لأن تصبح لانهائية لأنَّها ترى أنَّ هذا هو غاية الطبيعة. فعندما لامسوا غاية الطبيعة وغاية الخلق، أدركوا أنَّ اللانهائي هو مجرَّد خيال. وأنَّ الشيء الحقيقي هو في الواقع صفر. لذلك، تحدَّثوا عن الفراغ – شونيا، ونيرفانا، ونيرفيكالبا.

إفراغ الوعاء

طبيعة العقل تميل دائمًا إلى التكديس. عندما يكون بدائيًا، فإنَّه يريد تجميع الأشياء. وعندما يصبح أكثر ارتقاءً، فإنَّه يريد تجميع المعرفة. وعندما تصبح العاطفة هي المهيمنة، فإنَّه يريد تجميع النَّاس، ولكن تبقى طبيعته الأساسية التي تبغي التكديس. عندما يبدأ الشَّخص في التَّفكير أو الاعتقاد بأنَّه على المسار الرُّوحاني، يبدأ عقله في تكديس ما يُسمَّى بالحكمة الرُّوحية. ولكن سواءً أكان طعامًا، أو أشياءَ، أو أناسًا، أو حكمةً – لا يهمُّ ما تكدسه، فعندما توجد الحاجة للتكديس، فهذا يعني أنَّ هناك نقصًا ما. هذا الشعور بالنقص يأتي نتيجة أنَّك حدَّدت نفسك وفقًا لأشياءَ محدودة هي ليست أنت.

الوعي يفرغ الوعاء. وسادانا تُطهِّره.

إذا حصل المرء على الوعي الكافي، وفوق كلِّ شيء، سادانا ثابتة – وهي ممارسة في حياة المرء – سيصير الوعاء خاليًا تمامًا شيئًا فشيئًا. الوعي يُفرغ الوعاء، والسادانا تُطهِّره. عندما يتمُّ الحفاظ على هذين الجانبين – الوعي والسادانا – لفترة طويلة بما فيه الكفاية، يصير وعاؤك فارغًا. فقط عندما ينشأ هذا الفراغ، تنزل عليك النِّعمة. فبدون النِّعمة، لا يصل أحدٌ إلى أيِّ مكان. إذا كنت بحاجة إلى تجربة النِّعمة، يجب أنْ يصيرَ وعاؤك فارغًا تمامًا.

إذا أصبحتَ فارغًا بما فيه الكفاية لكي تنزل النِّعمة، فإنَّ الطبيعة النِّهائية ليست بعيدة. إنَّها هنا ليتم اختبارها. إنَّها هنا ليتم تحقيقها، ليس غدًا أو في عمرٍ آخر. فهي تصبح حقيقةً حيَّة.

***

تَنبَّهْ!

إنَّ السبب الوحيد لكون شخصٍ ما شخصًا صوفيًا وآخر ليس بصوفي، هو نقص الانتباه. شخصٌ ما فنَّان، وآخر ليس كذلك. لماذا؟ نقص الانتباه. يمكن لشخصٍ ما أنْ يطلق النار بشكل مستقيم ولا يستطيع آخر. لماذا؟ نقص الانتباه. من أبسط الأمور إلى أعلاها، هو مجرَّد نقص الانتباه.

تختلف مستويات انتباهك باختلاف الأوقات، ومهما كانت ذروة الانتباه التي وصلت إليها في حياتك في أي وقت، فهي ليست أقصاها. أنت قادر على المزيد من الانتباه.

أيًّا كان مستوى الانتباه لديك الآن، فهو لا يُمثِّل كلَّ ما هو ممكن. هناك المزيد ولكن لا لزوم له، فهو لا يزال غير واضحٍ بحيث لا يمكنك الوصول إليه. لذلك، يجب أنْ تلتفت بكلِّ ما لديك على الأقل. ولكن حتَّى مع انتباهك العقلي، فمستويات انتباهك تختلف باختلاف الأوقات في حياتك وباختلاف الأوقات في اليوم. إذا كنت تقوم بعملك، فأنت في مستوى معيَّن من الانتباه. وإذا كنت في حالة تأمُّل، فأنت في مستوى مختلف من الانتباه. وإذا كنت تأكل شيئًا يعجبك كثيرًا، فأنت في مستوى مختلف من الانتباه. فمستويات انتباهك تختلف باختلاف الأوقات، ومهما كانت ذروة الانتباه التي وصلت إليها في حياتك في أي وقت، فهي ليست أقصاها. أنت قادر على المزيد من الانتباه.

قبل بضع سنوات، أخذتُ مجموعة صغيرة من الناس في رحلة على خط السكة الحديد بين سوبرامانيا ومانجالور. ويمرُّ هذا المسار على أكثر من 300 جسر و100 نفق. فأنت عمليًّا إمَّا على جسرٍ أو داخل نفقٍ معظم الوقت، وهو جبلٌ رائعٌ للغاية. وبعض الأنفاق تمتد لمسافة كيلومتر واحد. وحتَّى أثناء النهار، تكون حالكة الظلام. لا يمكنك أنْ ترى يدك أمامك. ربما معظم الناس لم يتواجدوا في مكان من هذا القبيل لأنَّه في أيِّ مكانٍ كنت، هناك بعض الضوء. حتَّى ضوء النجوم يمنحك بعض الإحساس بالرؤية. لكن في تلك الأنفاق، بعد مرور بعض الوقت، لا تعرف ما إذا كانت عيناك مفتوحتين أم مغلقتين، فهي مظلمةّ لهذا الحد.

تحدثُ الرُّوحانية فقط لأنَّك أَوليْت انتباهًا لحياتك ورأيت أنَّك لا تعرف أين تبدأ وأين تنتهي.

لقد جعلتهم يسيرون في تلك الأنفاق دون أيَّة مشاعل. في البداية، أحسَّ الناس بالرعب الشديد ولكن مع مرور الوقت، بدأوا يمشون ببطء ويستمتعون بالتجربة بأكملها. إذا كنت في مكان كهذا، يصبح انتباهك فائقًا حقًا. فإذا استطعت أنْ تحافظ على انتباهك كذلك في كلِّ لحظة من حياتك، فسوف تتوهَّج. سوف تتوهَّج حقًا.

في الملاذ الروحي، أدفع النَّاس باستمرار إلى ملاحظة الأشياء الصغيرة. ليس فقط نظافة أو جماليَّات المكان ولكن لمجرَّد أنْ يكونوا منتبهين تمامًا إلى كلِّ شيءٍ ولو كان ضئيلاً. إذا انقلبت حصاة، وجب عليك ملاحظتها. والمسألة لا تتعلَّق بالحصاة، بل هو مجرَّد كونك منتبهًا. إذا وصلت بهذا الانتباه إلى ذروته، وإذا تعلَّمت أنْ يكون لديك إحساسٌ عالٍ بالانتباه، فعندئذٍ يمكننا أنْ نعلمك طرقًا لما يجب وما لا يجب عليك أنْ تهتم به بداخلك.

إذا أولَيت المزيد من الانتباه لكل شيء، وإذا عزَّزت قدرتك على الانتباه، فذلك يمكن أن يُستغل بطرق خارقة.

نحن حاليًا مازلنا نحاول أنْ نقود الناس للوصول إلى مستوى معيَّن من الانتباه. إذا صرت في غاية الانتباه، يمكننا أنْ ننظر كيف نستفيد من هذا الانتباه. الروحانيَّة تحدث فقط لأنَّك أوليت انتباهًا لحياتك ورأيت أنَّك لا تعرف أين تبدأ وأين تنتهي. أنت تدور كما لو كان كل ما تفعله هو الأفضل والأكثر أهمية في الحياة، وفي اللَّحظة التي تولي فيها القليل من الانتباه، تفهم "أنَّ الأمر ليس هكذا".

لذا، فإنَّ الخطوة الأولى ذاتها من تفكيرك بروحانية أتت إليك فقط بسبب مستوى معين من الانتباه. إذا أوليت المزيد من الانتباه لكلِّ شيء، وإذا عزَّزت قدرتك على الانتباه، فذلك يمكن أنْ يُستغل بطرق خارقة.

*** *** ***


 

horizontal rule

*  سادغورو جاكي باسوديف Sadhguru Jaggi Vasudev معلم ورؤيوي أسس منظمة "إيشا" العالمية. يكرس عمله وحياته لتبيان أن اليوغا ليست نظامًا روحيًا من ماض غابر، بل هي علم معاصر يتصل بشكلٍ حيوي بزماننا هذا. فهو يقول إن ممارسة اليوغا لا تعني الابتعاد عن الحياة والعيش في حالة تقشُّف وانعزال، بل هي القدرة على الاستغراق التام في الحياة والاستمتاع  بتفاصيلها دون خوف من المعاناة.
لمزيد من المعلومات حول منظمة إيشا وبرامجها يمكن مراسلة الإيميل التالي:
lebanon@ishafoundation.org

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني