أهزوجة البحَّار القديم

 

صامويل تايلر كولريدج

ترجمة: دارين ناظم

 

المقطع الأول:

بحَّارٌ عتيقٌ
يستوقفُ أحدَ ثلاثةْ.
"لِما تقدُّمي تعيقُ
بلحيتِكَ الرماديةِ الطويلةِ وعينِكَ البراقةِ؟"

"بابُ العريس مشرعُ
وأنا وثيقُ القرابةِ."
"مُدَّتِ المأدبةُ، الضيوفُ تجمَّعوا
حتى أنه يتسنَّى لي سماعُ التهاليلِ الطروبةِ."

"هناكَ سفينةٌ" قال.

وبيدِهِ النحيلةِ استوقفهُ
"توقفْ، أطلقْني، أيها الأشيبُ الأحمقْ"
فتوَّاً رفعَ يدهُ
عنهُ.

يمسكُهُ بعينِهِ التي تلمعْ،
ضيفُ العرسِ تسمَّرْ،
كطفلٍ في الثالثةِ أصاخَ السَّمعْ،
البحارُ نالَ وأجبَرْ.

جلسَ ضيفُ العرسِ على صخرةْ،
ليسَ لهُ إلا السّمعُ.
وهكذا ذاك الرجلُ القديمُ بحديثِهِ استمرَ
البحارُ ذو العينِ التي تلمعُ.

"ها نحنُ نبحرُ بحبورٍ،
بالتهليلِ أبحرتِ السفينةُ، فالمرفأُ خاليةْ.
ننأى عن المنارة
بعيدًا عن المعبدِ، بعيدًا عن الرابيةْ.

طلعتِ الشَّمسُ عن يسارِنَا،
من البحرِ أشرقَتْ.
أشَّعتْ لامعةً، من ثمَّ عن الميمنَة
في البحرِ غرقَتْ.

أبعَدَ، أبعَدَ كلَّ يومٍ، في أعالي البحارْ
إلى أنْ في أحدها وفوق الصاري ظهَرَا ..."
إبّانَ سماعِهِ عزْفَ المزمارْ،
هنا، يقرعُ ضيفُ العرسِ صدرَه.

تخاطرتْ إلى البهوِ العروسْ،
قانيةً كزهرَةْ،
يسبقْنَها مُحيّين بإيماءٍ من الرؤوسْ
بأناشيدِ البهجَةْ.

يقرعُ ضيفُ العرسِ الصّدْرَ،
ليسَ لهُ إلّا السمعْ.
وهكذا ذاكَ الرجلُ القديمُ بحديثِهِ استَمَرَّ،
البحارُ ذو العينِ التي تلمَعْ.

"مستبّدًا وقويًّا،
الآنَ عاصفًا جاءَ الهبُوبْ،
ضاربًا بخفقِ أجنحتِهِ الفجائيِّ
وطاردَنَا نحوَ الجنوبْ.

بقيدومٍ غارقٍ وصارٍ مائلٍ،
كالمطارَدِ بالنوائبِ والهديرْ
ما زالَ عدُّوُهُ من خلفِهِ دانٍ
فيثني رأسَهُ أمامه في فرارٍ
نعمَ نحو الجنوبِ نسيْرْ
السفينةُ أسرعَتْ، والهبوبُ زئيْرْ.

الضبابُ والثلوجُ جاءتِ الآنْ
حيثُ قَرَصَ بغرابةِ البرْدْ،
وجليدٌ، بارتفاعِ السارية، طَفَا منَّا دَانْ،
أخضَرَ كزمُرّدْ.

بطفوها، الجروفُ الثلجيةُ
أرسلتِ كمودَ اللمعان.
لا صورةَ إنسٍ أو وحشٍ على مدِّ النَظَرْ،
بَلْ كلُّ شيءٍ جليدًا كانْ.

الجليدُ أطبَقَ هنا، الجليدُ هناكَ أطبَقْ
الجليدُ أحاطْ.
لقَدْ هَدَرَ، زَمْجَرَ، انفْجَرَ وتشَقَّقْ،
كما في النشوةِ من أصواتْ.

نورَسٌ عَبَرَ آتيًا من البُعْدْ
عبْرَ الضَّبابِ شقَّ الدَّرْبْ
كما لو أنّهُ فألٌ جَيْدْ،
حيَّيناهُ باسمِ الرَّبْ.

أكَلَ الطعامَ الذي لم يكنْ قَدْ تذوَّقُهُ بَعْدْ،
مُحلّقًا حَوْلَنَا.
الجليدُ انشقَّ بقصْفِ الرَّعْدْ،
والربّانُ عبرَ بِنَا.

هبَّتْ من خلفِنِا، طيبةً، ريحُ الجنوبْ
النورسُ حَذَا حُذْوَهَا،
وكلَّ يومٍ لطعامٍ أو لَهْوٍ لعُوْبْ
جاءَ قمرةَ البّحارِ، أتاهَا.

في السّديمِ أو الغيمِ، على حبلِهِ أو الصاري
حَطَّ مشاركًا في قُدّاسِ التاسِعَةْ،
بينما طوالَ الليلِ، خلالَ الضّبابِ الأبيضِ الدخانّي
أومضتْ أضواءُ القمرِ بيضاءَ سَاطِعَةْ."

"ليرْحَمْكَ الرَّبُّ أيّها البّحارُ القديمْ،
ما ابتلاكَ بهذا، لروحٍ مُدَّنَسْ!"
"لما تنظرونَ هكذا!؟ .... بقوسِيَ والسّهامْ
رميتُ النورَسْ."

*

المقطع الثاني

"طلعَتِ الشّمسُ من المَيْمَنَةْ
من البحرِ أشرقَتْ،
خبّأها الضبابُ، مِن ثمَّ عن يسارِنَا
في البحرِ غرقَتْ.

وريحُ الجنوبِ الطيبةُ ما زالتْ من خلفنا تَهُبْ،
لكنْ ليسَ من طيرٍ جميلٍ طارْ،
ولا أيَّ يومٍ للطعامِ أو اللَّعِبْ
أتَىْ إلى قمرةِ البَّحَارْ!

لقد اقترفتُ فعلاً خطيرَا
سيجلبُ لهم النَّحْسْ.
فعلى أيّ حالٍ لقدْ قتلتُ الطيْرَ،
مَنْ جَعَلَ النّسيمَ يَهُسْ."
"أيّها البائس!" نعتوني، "كيفَ قتلتَ الطيرَ!
مَنْ جَعَلَ النّسيمَ يَهُسْ."

لا قاتمةً ولا قانيةً، الشّمسُ كإلاهةٍ متألقةٍ عَلَتْ،
"على أيّة حالٍ، الطّيْرَ لقَدْ قَتَلْتْ.
من جلبَ الغشاوةَ والضبابْ"
قالوا: "أنْ هكذا طيرًا قَتَلْتْ،
كانَ لَمِنَ الصّوابْ."

"طفا الزبدُ الأبيضُ، هبَّ النسيمُ العليلْ
التموّجاتُ حُرّةً تلَتْ
كنّا أوّلَ دخيلْ
على ذاكَ البحرِ الصامِتْ.

سكنَتِ الريحُ، الشراعُ تهاوَىْ
بقدْرِ ما للحزنِ أنْ يكوْنْ
ولقدْ تكلَّمنا فقط لكسرِهِ
في اليمِّ، ذاكَ السكوْنْ.

كلُّهُ في سماءٍ حارةٍ نحاسيَّةْ
الشمسُ القانيةُ عندَ الظُّهْرْ
عَلَتْ مباشرةً فوقَ الساريَةْ
ليسَ أكبرَ من القَمَرْ.

عَلِقْنَا لا نَفَسَ أو حَرَكَةْ
يومًا بعد يومٍ، يومًا تلو يَوْمْ
مُتراخينَ، كسفينةٍ مرسومَةْ
فوقَ محيطٍ مرسُوْمْ.

ماءٌ، ماءٌ في كلِّ صَوْبْ
كلُّ الحوافِّ تنكَمِشْ.
ماءٌ، ماءٌ من كلِّ حَدْبْ،
وليسَ من قطرةٍ تروي العَطَشْ.

البحرُ العميقُ تعفَّنَ، يا إلهيَ الرَّحُومْ
أكانَ قضاءً مَقْضِيّْ!
نَعَمْ بأرجلٍ زحفَتْ أشياءٌ من هلامْ
فوقَ البحرِ الغُرَوِيّْ.

حولنا في ترنُّحٍ واضّطرابْ
نيرانُ الموتِ رقصَتْ في الدّيْجُوْرْ.
احترقَ، أخضَرَ، أزرَقَ وأبيَضْ
الماءُ، كزيتٍ مسحُوْرْ.

والبعضُ من الأحلامِ كانوا واثقينْ
عنِ الرُّوحِ التي أنزلَتْ بنا العقابْ
أنّهُ بعمقِ تسعةِ فراسِخَ تَبِعَنَا مُلاحَقينْ
من أرضِ الثلجِ والضبابْ.

وعبْرَ العطشِ التامِّ، من الجَذْرْ
ذَوَىْ كلُّ لسانْ.
لَمْ نَقْوَ على الكلامِ، ليسَ أكثَرْ
ممّا لو كنّا نختنقُ بالدّخانْ.

آهٍ، يا لهُ من يومٍ! يا للنظراتِ الشريرَةْ
رمقني بها الكبيرُ والصغيرْ
عن الصليبِ بديلَاْ
حولَ عنقي علَّقُوا الطَّيْرْ."

*

المقطع الثالث:

"كلُّ حنجرةٍ، حيثُ مرَّ وقتٌ رتيبْ،
تحرَّقَتْ عطشًا، وغَشَتْ كلُّ عَيْنْ.
وقتٌ رتيبٌ، وقتٌ رتيبْ
كم ذبلتْ منهكةً كلُّ عَيْنْ!
أبصرتُ شيئًا في المدى إذْ نظرتُ نحو الغروبْ

بدءًا قد بدا كبقعةٍ صغيرَةْ
ثمَّ كالضّبابِ بَدَاْ.
تحرَّكَ مقتربًا، آخذًا أخيرَاْ
أدركتُ، شكلاً مُحدَّدَاْ.

أدركتُ، بقعةً، هيئةً، ضَبَابْ
وكما لو أنّه يناور ُمخلوقًا مائِيًّا
ما زالَ يدنُوْ، متابعًا الاقترابْ،
واندفعَ منحرفًا بمسارِهِ انحرافًا فجائِيًا.

بحناجِرَ لا تخمدُ، وشفاهٍ محمصة سُوْدْ
لَمْ يكنْ لنا الضّحكُ أو اللَّوْمْ.
عبْرَ العطشِ التامِّ وقفْنَا كلُّنَا بصَمْتْ
عضَضْتُ يدي، مصَصْتُ الدَّمْ:
شراعٌ! شراعٌ! صَرَخْتْ.

بحناجِرَ لا تخمدُ، وشفاهٍ سودٍ محمصةٍ،
مندهشينَ سمعُوا منّي النّداءْ.
يا رَحُوْمْ! افترَّتْ شفاههُمْ بغبطَةٍ
وكَمَا لَوْ أنَّهمْ ارتوَوْا،
تنفَّسُوا كلُّهُمُ الصُّعَدَاءْ.

انظرُوْا، انظرُوْا (صَرَخْتُ) إنّها لا تنعطِفُ بَعْدْ!
تدنُوْ لتمنَحَنَا النَّعيْمْ.
بدونِ نَسِيْمٍ أَوْ مَدْ
سارَتْ بثباتٍ وبصارٍ مستقيْمْ.

ملتهبَةً كانَتِ الموجَةُ الجنوبيّةْ،
واليومُ موشِكٌ على الانقضَاْءْ.
تقريبًا فوقَ الموجَةِ الجنوبيّةْ
استراحَتِ الشَّمْسُ رَحْبَةُ الأضْوَاْءْ.
عندما اندفَعَ ذاكَ الشَّكْلُ الغريبُ بصورةٍ فجائيّةْ،
فاصِلَاً إيَّانَا عنِ الشَّمْسِ في السَّماْءْ.

وتواً الشَّمْسُ كما لو خلف قضبان بدتْ!
(يا عذراءُ نسأَلُكِ النّعمَةْ).
كما لو أنَّها تُحَمْلِقُ مِنْ حيثُ سُجِنَتْ
بملامِحَ رَحْبَةٍ مُضْطَرِمَة.

واحَسْرَتَاهُ! فكَّرْتُ، وضرباتُ قلبي تتسارَعْ
ما أسرَعَ دنُّوَهَا المتواصِلْ!
أهذِهِ أشرعتُهَا التي في الشّمسِ تلمَعْ
كمُخاطِ شيطانٍ مُتمَلْمِلْ.

أهذِهِ أضلعُهَا التي الشّمسُ من خلالِهَا،
كما لو مِنْ مُقَضَّبٍ، أنعمَتْ
أتلكَ المرأةُ كلُّ مَنْ عَلاهَا!
أهناكَ اثنانِ! أذاكَ رفيقُهَا؟ المَوْتْ!

خُصُلاتُها صفراءَ كالذّهَبِ كانَتْ
نَظَراتُها مُسْتَطيرةً، شَفَتاها حَمْراوين،
بَشَرتُها بيضاءَ كما الجُذَامْ،
كابوس
الحياةِ في الموتِ، كانَتْ.
التي تجففُ بالبرودةِ دَمَ الإنسانْ.

اتّخَذَ جوارَنَا الهيكلُ العاري للسفينَةْ
والزوجُ كانا يلعبانِ القِمارْ.
ربحْتُ، ربحْتُ حُسِمَتِ اللعبَةْ!
قالَتِ المرأَةْ، مُصفِّرةً بتِكْرَارْ.

وبخطوةٍ واحدةٍ الدَّهيمُ دَلَفْ
غرقَ قرصُ الشَّمْسِ، طَفَرَتِ النّجومْ
وبزغتِ السَّفينةُ الطَّيْفُ
بهمْسٍ ناءٍ، فوقَ اليَمْ.

أصغَيْنَا واستَشْرَفْنَا اليَمْ،
الخوفُ رشَفَ ماءَ الحياةِ من كأسِ قلبِيْ
النجومُ معتمةٌ والليلُ مدلَهِمْ،
ووجهُ القبطانِ شحُبَ في ضوءِ مصباحِهِ الذّهبِيّْ
تقاطَرَ من الأشرعةِ النَّدَىْ
إلى أَنْ فوقَ الحاجِزِ الشّرقِيّْ
بزغَ الهلالُ ونجمَةً واحِدَةْ.

واحِدَاً تِلْوَ الآخَرْ،
في حضورِ، النّجْمِ العَنيدِ، القَمَرْ
أسرع من أن يصدروا تنهيدة أو أنين
كلٌّ التفت صوبي بعظيم الألم

ولعنني بالعين

على أربَعِ دفعاتٍ خمسونَ رَجُلاً حيًّا،
بخبطةٍ بطيئةٍ تكوَّمُوا مَوْتَىْ،
من دونِ أنْ أسمَعَ تنهيدَةً أو أنينًا
تَهاوَوْا واحِدًا واحِدَاْ.

الأرواحُ أجسادَهُمْ غادَرَتْ،
وكلُّ روحٍ مرَّتْ بِيْ
لِنَعيمٍ أو جَحيمٍ غادَرَتْ
سريعًا كما قوسِيْ ونشابِيْ.

*

المقطع الرابع

"أخشاكَ أيُّها البحَّارُ العتيقْ!
أخافُ يَدَكَ الهزيلَةْ،
وكونَكَ طويلاً أسْمَرَ ورقيقْ
كَرِمَالِ البحْرِ المُضَلَّعَةْ."

"أخشاكَ وأخافُ عينَكَ التي تَبُصْ
ويدَكَ النّحيلةَ شديدةَ السُّمْرَةْ."
"لا تكنْ هيَّابًا، لا تكنْ أَيَا ضَيْفَ العُرْسْ
فَلَمْ تَتَهاوَ بَعْدُ هذه الجُثَّةْ."

"وحيدٌ وحيدٌ، نَعَمْ دونَ أنيْسْ
وحيدٌ في البحرِ المترامِيْ
وليسَ مَنْ أشفقَ، ولا قدّيْسْ
على روحِيْ في عذابِيْ.

الرّجالُ عديدونَ أوُّاهٍ في أقصَىْ بَهَاءْ
كلُّهُمْ موتَىْ عندَ أقدامِيْ،
وهكَذَا تابعت البَقَاءْ
أنا وألفُ ألفُ شَيءٍ هُلامِيْ.

رَنَوْتُ إلى البَحْرِ العَفِنْ
وأشحْتُ بالعينَيْنْ.
نظرتُ إلى المَتْنِ العَفِنْ
وهناكَ يتمددُ الميّتونْ.

استَشْرَفْتُ السَّماءَ، حاولتُ أنْ أصلِّيْ
لكنْ كلَّما صلاةٌ تمكَّنَتِ العبورْ
همْسٌ شريرٌ أتَىْ لِجَعْلِ
قلبي جافًا كالغُبَارْ.

أغلقْتُ أجفانِيْ، وهكذا قررتُ البقاءْ
وكُرَتَا عيني تنبضانِ كما الدَّمْ
لأنَّ السّماءَ والبَحْرْ، البحرَ والّسماءْ
مَعَ الموتَىْ عِنْدَ القَدَمْ
يقبعانِ على عيني التّعبَةِ كأعباءْ.

العرقُ الحلوُ ذابَ من أعضائِهِمْ
لَمْ ينتنُوا ولم يعفَنْ منهمْ أَحَدْ.
النظرةُ إليَّ منهُمْ
لَنْ تعبُرَ عنّي أَبَدْ.

لعنةُ يتيمٍ تستَجِرُّ لجهنَّمْ
روحًا ولَوْ سَمَتْ
ولكنْ ويحي، منها لأعظَمْ
هي اللعنةُ في عينِ جثّةٍ فَنَتْ
رأيتُ تلكَ اللعنةَ بلياليها لسبعةٍ أيّامْ
ومع ذلكَ لم ينلني الحِمَامْ.

القمرُ السيّارُ علا في السماءْ
دونَ أنْ يتّخذَ مستَقَرْ
بل تابَعَ نحو العلاءْ
مع نجمةٍ أو اثنتين، القَمَرْ..

أشّعَّتُهُ هزئتْ بالمحيطِ الحارْ
كثلوجِ نيسانَ الرّماديَّةِ انتشرَتْ،
لكنْ حيثُ سقطَ ظلُّ السفينةِ الجبارْ
المياهُ المسحورةُ بالاشتعالِ استمرَّتْ،
بدرجةٍ ساكنةٍ ومريعةِ الاحمرارْ.

بعيدًا عن ظلِّ السفينَةْ
راقبتُ أفاعيَ الماءْ،
تتحرَّكُ في مساراتٍ بيضاءَ مُضيئَةْ
وعندما تعلُوْ، يشعُّ جنّيُ البحرِ بضياءْ
يتساقطُ في رقائِقَ وقورَةْ.

في إطارِ ظلِّ السفينَةْ،
راقَبْتُهُمْ دَسِمِي الدّثارْ
أزرقَ، أخضرَ لامعاً، أسودَ مخمَلِيّْ
التفُّوا سابحينَ وكلَّ مسارْ
كانَ لمعانًا من لهبٍ ذَهَبِيّْ.

آهٍ، مَا مِنْ لسانٍ أيا الكائناتُ المغبَطَةْ!
يستطيعُ إعلانَ جمالِهِمْ
مِنْ قلبِيَ انفجَرَ نبعٌ مِنَ المحبَّةْ
بلا وعيٍ باركْتُهُمْ،
طبعًا قدّيسِيَ الطيّبُ أخذَتْهُ بي شفَقَةْ
وأنا بلا وَعْيٍ طوَّبْتُهُمْ.

في عينِ اللحظةِ استطَعْتُ الصَّلاةْ
ومِنْ عنقي حُرًّا
في البحرِ كمرسَاْةْ
سقَطَ النَّورَسُ غارِقًا."

*

المقطع الخامس:

"يَا لَلُطْفِهِ، أَيَا النَّوْمُ!
مِنَ القطبِ للقطبِ مُحَبَّبْ.

المديحُ للعذراءِ مَرْيَمْ،
إذْ أرسلَتْ من السَّماءِ النومَ الطيّبْ،
الذي إلى نَفْسِيَ أَسْلَمْ.

الدلاءُ بلا حولٍ على المَتْنِ،
والتي طويلاً بقيَتْ.
حلمْتُ أنَّها مُلِئَتْ بالطَّلِّ
وعندما استيقظْتُ أمطرَتْ.

شفاهي رطبةً كانَتْ، باردةً حنجرتِيْ
بالتأكيدِ شربتُ في حلمي،
مبلَّلَةٌ كلُّ أرديتِيْ
وأيضًا ارتوَىْ جسدِيْ.

تحركْتُ ولم أستطِعَ الشُّعورَ بأطرافِيْ
كنتُ خفيفًا جدًا،
حتَّى حسبْتُ أني متُّ في نومِيْ
وصرتُ شبحًا مباركًا.

وللتوِّ سمعْتُ ريحًا زائرَةْ،
لَمْ تَدْنُ أو تَقَرَّبْ إليَّ
ولكنْ بصوتِهَا هزَّتِ الأشرعَةْ
التي كانتْ هزيلَةً وباليَةْ.

ولدَ الهواءُ العلوُيّْ
ومائةَ رايةٍ ناريةً لمعَتْ
ذهابًا وإيابًا، ولوجًا وخروجًا
جيئةً وذهابًا تحركَتْ
وما بين النُّجومِ الشاحبةِ رقصَتْ.

الريحُ زأرَتْ أعلَىْ فأعلَىْ دانِيَةْ،
الأشرعةُ كالبرديِّ أطلَقَتْ تنهُّداتِهَا
وهطلَ المَطَرُ من غيمةٍ سوداءَ وحيدَةْ
كانَ القَمَرُ على حافَّتِهَا.

انقشعَتِ الغيمةُ السوداءُ وما زالَ
على حافَّتها القَمَرْ،
والبرقُ يَهْوِيْ كما من جرفٍ عالٍ، شَلّالَاْ
دافقًا، كنهرٍ غزيرٍ منحدِرْ.

الريحُ العاصفةُ لم تبلغِ السفينةَ قَطْ
لكنْ بالرغْمِ السفينةُ تقدَّمَتْ
تحتَ ضوءِ القمرِ والبرْقْ
تأوَّهَ الأمواتْ.

أَنَّوْا، تنبَّهَوْا وجميعُهُمْ قامْ
لم يتحدَّثَوا أو يحرّكَوُا الجفُوْنْ
لقد كانَ غريبًا، ولو في المنامْ
أَنْ ترَىْ أولئِكَ الموتى ينهضُوْنْ.

مديرُ الدَّفَةِ أدارَهَا، فالسفينةُ تقدَّمَتْ
مَعَ أنَّه أبدًا ما من رياحْ.
البحارةُ بَدَأَوْا تحريكَ الحبالِ كلُّهُمْ
معتادين!
كأدواتٍ ميتةٍ رفعوا أطرافَهُمْ
كنَّا طاقمًا مِنَ الأشباحْ.

جسدُ ابنِ أخي
وقفَ بمحاذاتي لصيْقَا
هو وأنا سَحَبْنا ذاتَ الحبلِ
لكنَّهُ لم يقلْ لي شيْئَا.

"أيُّها البحارُ القديمُ، إيَّاكَ أخافْ"
"ما رجعَ إلى كلِّ جثَّةْ
ليسَ تلكَ الأنفُسَ التي فاضَتْ بألَمٍ
بَلْ فرقَةٌ من الأرواحِ المبارَكَةْ
فَاْهْدَأْ، أيُّها المَدْعُوُّ إلى الزَّفافْ!"

"عند انبلاجِ الفجرِ، تهدَّلَتْ أذرعُهُمْ
حولَ الساريةِ مكوَّمِيْنْ

صوْتٌ عذْبٌ انطلقَ متمهِّلاً من أفواهِهِمْ
وعَبَرَ الجثامِيْنْ.

مِنْ حولِنَا رفرَفَ كلُّ عذْبٍ من الأصواتْ
ثمَّ اندفعوا نحو الشّمْسِ في المَدَىْ
ببطءٍ تردَّدَتْ كلُّ الأصواتْ
تارةً ممتَزِجَةً وطورًا مُفْرَدَةْ.

مرَّاتٍ كهِبَةٍ من السماءْ
سمعتُ العندليبَ يُغنِّيْ
مرّاتٍ كلَّ الطيورِ الصغيرةِ الكائنة
كيفَ ملأوا البحرَ والفضاءْ
بتغريدهم الشّجِيْ.

والآنَ كما لو أنّها جميعُ الآلاتِ الموسيقيَّةْ
كما لو أنَّه مزمارٌ وحيدٌ الآنْ.
والآنَ إنَها أغنيةٌ ملائكيَّةْ
تلكَ التي تبكمُ الأكوانْ.

انقطعَ الغناءُ، لكنْ استمرَّتِ الأشرعَةْ
تصدرُ حتى الظهرِ صوتًا بحنانْ،
صوتًا كما لو أنَّه جداولُ مختبئَةْ
في المورقِ، شهرَ حزيرانْ،
وطوالَ الليلِ للغابةِ النائمَةْ
ينشدُ هادئَ الألحانْ.

حتَّى الظهرِ أبحَرْنَا بهدُوْءْ
بالرغم من أنّ النسيمَ لم يزفرْ
مضَتِ السفينةُ برقَّةٍ وبطْءْ
تحركَتْ قدمًا من الأسفَلْ.

على عمقِ تسعةِ فراسِخَ، تحتَ السفينَةْ
من أرضِ الثلجِ والسديمْ
انزلقَتِ الرُّوحُ، التي سيَّرَتِ السفينَةْ.
الأشرعةُ عند الظهرِ كفَّتْ عن الترنيمْ
وأيضاً دونما ارتجاجٍ وقفَتِ السفينَةْ.

الشمسُ فوق الصاري مباشرة
ثبَّتَتْهُ إلى المحيطْ،
ولكنَّه في ثوانٍ بدأ اهتزازَاً
بحراكٍ قصيرٍ عسيرْ
قدمًا وإلى الخلفِ لمسافَةْ
بحراكٍ قصيرٍ عسيرْ.

عندئذٍ كحصانٍ طليقٍ للرفْسِ
فجأَةْ ارتدَّتِ السفينةُ
دافعةً الدمَ إلى رأسي
وسقطتُ أرضًا فاقدَ الحسِ.

ممددًا على تلكَ الحالِ كَمْ مضى علَيّْ؟
لا أستطيعُ البَتْ،
لكنْ قبْلَ أن تعودَ حياتي إلَيّْ
سمعتُ صوتَيْنِ في الأثير
وفي روحي أدركتْ."

"أهذا هو؟" قالَ أحدهما، "أهذا هو الرجلُ؟
الذي عبْرَهُ ماتَ على صليبْ
وقوسُهُ القاسي أوقعَ من علُوْ
النورسَ الطيبْ."

"الرّوحُ التي لازَمَتْهُ
في أرضِ الثلجِ والضبابْ
أحبَّتِ الطيرَ الذي أحبَّ الإنسانْ
مَنْ اصطادَهُ بقوسِهِ والنشابْ."

الآخرُ كانَ صوتًا أرقَّ
رقيقًا كندى العسَلْ
قالَ: "الرّجُلُ قدَّمَ كفَّارَتَهُ
وسَيُكَفِّرُ أكثَرَ بالعمَلْ."

*

المقطع السادس:

الصوتُ الأوّلُ:
"لكنْ قلْ لي، قلْ لي، تكلَّمْ من جديدْ
كرِّرْ ردَّكَ الخفيضْ
ما الذي يحثُّ تلكَ السفينَةْ!
وما الذي يفعلُهُ المحيطْ."

الصوتُ الثاني:
"وأيضًا كما العبدُ أمامَ سيِّدِهْ
ليسَ للواسِعِ مِنْ أَمْرْ
عينُهُ العظيمةُ الساكنَةْ
تَسْتَشْرِفُ القمَرْ."
"لَوْ لَهُ أنْ دربَهُ يختارْ
فهو يقودُهُ بسلاسةٍ أو بشراسَةْ
كيفَ ينظُرُ إليهِ باحتقارْ
انظُرْ، يا أخي، أبصِرْ! كَمْ بكياسَةْ."

الصوتُ الأوّلُ:
"لكنْ ما الذي يحثُّ تلكَ السفينَةْ
دونَ موجٍ أو ريحٍ؟"

الصوتُ الثاني:
الهواءُ انقطَعَ مِنَ الأمامْ
ويدنُوْ من الخلفْ

طِرْ، يا أخي، طِرْ أعلَىْ فأعلَىْ
أَوْ سنتأخَّرْ
لأنه أبطَأَ فأبطَأَ السفينةُ ستمضي
حالما غَشْيَةُ البّحارِ تتبَخَّرْ.

"صحوْتُ وكنَّا مُبْحِرينْ
في طقْسٍ حَسَنْ
وكانَ ليلٌ، ليلٌ ساكنٌ، والقمرُ كانَ عالياً
الموتى وقفوا معًا.

وقفوا معًا على المتنْ جميعًا
ملائمينَ للقبْرْ
كلُّهُمْ ثبَّتُوا عليَّ عيونَهُمُ المتحجّرَةُ
التي برقَتَ في ضوءِ القمَرْ.

الغَصَّةُ، اللَّعْنَةُ، التي قتلَتْهُمْ
أبدًا لَمْ تعبُرْ عنّي
لَمْ أستطِعْ أنْ أديرَ عَيْنَيَّ عَنْ أعيُنِهِمْ
ولا رَفْعَهُمَا لأصلِّيْ.

والآنَ هذه التعويذةُ ضربَتْ مِنْ جديدْ
أبصرْتُ المحيطَ أخضَرَ
ولَمْ أَرَ، بالرغم أني رنَوْتُ للبعيدْ،
شيئًا مَمَّا كانَ لِيُرَىْ.

كَمَنْ على طريقٍ موحِشَةْ
يمشي بخوفٍ وذُعْرْ
تلفَّتَّ حولَهُ مرَّةً ومشَىْ
ولا يتلفَّتُ أكثَرْ
لأنَّهُ يعرفُ أنَّ روحًا شريرةً مخيفَةْ
تدنُوْ مِنْ خلفِهِ بِتَخَاطُرْ

لكنْ سريعًا ما هبَّ عليَّ نسيمْ
بدونِ صوتٍ أو حركَةْ.
فعبوره لم يكمن فوق اليمْ،
بظل أو بموجةْ.

رفعَ شعري، داعبَ وجنتِيْ
كنسيم السهولِ الرّبيعي
امتزجَ بغرابةٍ مع مخاوفِيْ
ولكنني شعَرْتُه مرحبًا بِي.

سريعًا حثيثًا مضَتِ السفينةُ في اليَمْ
ولكنَّها أيضًا أبحرَتْ بنعومَةْ
برقَّةٍ، برقَّةِ هَبِّ النسيمْ
عليَّ وحدي كانَ هبوبُهْ

آهٍ! يا حلمًا سعيدًا، أهذه بالفعلْ
قمةُ المنارة، ما تبصرُهُ عينِيْ
أهذا المعبَدُ؟ أهذا التَّلْ؟
أحقًا هذا موطنِيْ؟

فوق حاجزِ الميناءِ كانَ التهادِيْ
وأنا صلَّيْتُ بنحِيْبْ
آهٍ دَعْنِي أكُنْ صاحيًا يا إلهِيْ
أَوْ دَعْنِي إلى الأبدِ أغِيْبْ.

خليجٌ المرفأ كانَ صافيًا كالزجاجْ
وبنعومةٍ كانَ يتناثَرْ
واستلقَىْ ضوءُ البدرِ على الخليجْ
واستلقى ظلُّ القمَرْ.

الصخرةُ أشَّعَتْ، ليسَ بأقلَّ منها المعبَدْ
الذي عليها شامِخْ
ضوءُ القمرِ غمَرَ بصمْتٍ
ديكَ الريحِ الراسِخْ.

والخليجُ، مبيَضًّا بالضوءِ الصامِتْ
إلى أنْ طلعَتْ من ذاتِ المكانْ
أشكالٌ عديدةٌ مكتملةٌ، وتلكَ الأطيافُ جاءَتْ
بلونٍ قرمزُيِّ اللمعانْ.

ليسَ بعيدًا عن القيدومِ تبدَّتْ
تلكَ الظلالُ القرمزيَّةْ
يا إلهي على ما العينُ وقعَتْ
حينَ إلى المتْنِ أدرْتُ ناظِرَيّْ.

كلُّ جثمانٍ تمدَّدَ، عفنًا وغير حَيْ
ويا جميعَ المقدساتْ!
ملاكٌ، كائنٌ نوريّ،
وقفَ على كلِّ واحدٍ من الأمواتْ.

كلٌّ لوحٌ بيدِهِ، جوقةُ الملائكةِ
سماويًا كانَ المشهدُ
وقفوا كمشيراتٍ إلى اليابسةِ
كلُّ واحدٍ منهم ضوءٌ ممجَّدُ.

كلٌّ لوَّحَ بيده، جوقةُ الملائكَةْ
لم يصدرْ عنهم ولا صَوْتْ
لا صوتَ، ولكنْ كالموسيقَىْ
في قلبِيْ غرقَ الصَّمْتْ.

لكنْ للتوِّ سمعتُ ضربَ المجدافِ حثيثًا
سمعتُ تحيَّةَ الربَّانْ
ممَّا أجبرني على الالتفاتِ بعيدًا
حيثُ أبصرْتُ قاربًا قَدْ بانْ.

الربّانُ وصبيُّ البحَّارْ
سمعتهُمْ يأتونَ في عجلَةْ
يا إلهِيَ الحبيبَ في السماء! يا للسّرورْ
الموتى لمْ يتأتوا بحركَةْ.

رأيتُ ثالثًا، صوتُهُ في مَسْمَعِيْ
إنَّه الناسكُ الطيّبْ
يغنّي عاليًا لحنَهُ القدسِيْ
الذي يصوغُهُ في الغابْ
دَمُ النَّورسِ سيغسلُ عنّيْ
ويعتقُ روحي من الذنوبْ"

*

المقطع السابع:

"هذا الناسكُ الطيبُ يعيشُ في الدَّغْلْ
المنحدرِ نحو البحر
كم يرفعُ عاليًا صوتَهُ الجَذْلْ
ومع البحارةِ القادمين من بلادٍ بعيدةٍ يستسيغُ الكلامْ.

صباحًا وظهرًا ومساءً يصلّيْ
يتوسَّدُ وسادَةً وثيرَةْ،
هيَ الطحلبُ الذي يغطّيْ
جذعَ شجرةِ البلوطِ العفنَةْ.

سمعتهُمْ يتحدَّثونَ وقاربُ التجديفِ دَنَاْ:
لماذا، يا لَهُ من أمرٍ غريبٍ، حسبْتْ!
أينَ تلكَ الأضواءُ العديدةُ الصافيَةْ
التي أصدرتْ إشارةً من قَبْلْ"

"عجبًا بإيماني" قالَ الناسِكُ
"وَهُمْ حتَّى لم يبادِلُونا التحية
"انظُرْ تلكَ الأشرعةَ كمْ هزيلةً ومهترئَةْ،
والصاري المائِلْ
لَمْ أَرَ ما يماثلهُمْ البتة
إلا بمحض الصدفة."

"هيكَلٌ بُنِيَ من الأوراقِ يُدثِّرُ في غابتي جدوَلْ
عندما يُثقِلُ الثلجُ اللبلابْ
وصغيرُ البومِ ينعَبُ للذئبِ في الأسفَلْ
الذي يأكلُ صغارَ الذئابْ."

"يا إلهيَ الرحيمَ! إنه شيطانِيُّ الشَّكْلْ"
(القبطانُ أجابَ) "أنا خائِفْ"
فقالُ الناسكُ بجَذْلْ:
"نحْوَ الأمامِ جَدِّفْ"

"المركبُ دنا أكثر من السفينَةْ
ولكنّي لَمْ أتِ بحركةٍ أو صُوْتْ.
القاربُ دَنَا بمحاذاة السفينَةْ
وتوًّا سُمِعَ صَوْتْ.

صوتٌ، تحتَ الماءِ استمر
أكثَرُ علوًا وإفزاعًا
شق الخليج، بلغَ السفينَةْ
التي غاصَتْ كمعدنْ.

سُمِّرْتُ بذاكَ الصوتِ المريعِ، الصاخِبْ
الذي زعزَعَ المحيطَ والسَّماءْ،
وكمَنْ غرقَ لسبعةِ أيَّامْ
طَفَا جسدي على الماءْ
ولكنْ، سريعًا وجدتُ نفسي، كما في الأحلامْ
على متن القارِبْ.

لدى الالتفافِ حيثُ غاصَتْ السفينَةْ
دارَ ودارَ القاربُ على الماءْ
وكانَ كلُّ شيءٍ مطمئناً بسكينَةْ
حتَّى أنَّ التلَّ كانَ يُرجِعُ الأصداءْ.

حرَّكْتُ شفتي – الربَّانُ صرَخَ
وأرضًا بتشنُّجٍ سَقَطْ
الناسكُ المقدَّسُ عينيه رفَعَ
وصلَّىْ حيثما جَلَسْ.

تناولتُ المجدافَ: وصبيُّ البحار
الذي جنَّ جنونُه الآنْ
ضحكَ عاليًا وطويلاً، وما بين الفينة والأخرى"
"هَا هَا" قالْ: "ماذا أرَى"ْ
"أَيجيدُ التَّجديفَ الشيطانْ!"

"والآنَ في بلادِيْ
وقفْتُ على الأرضِ الثباتِ
تخطَّى الناسكُ القارَبَ
على الوقوفِ يقوَىْ بالكادِ.

طَهِّرْني، طهِّرْني أيها الرجُلُ الفاضِلْ
عقَدَ الناسكُ حاجبَهُ وأَمَرْ"
قالَ: "قُلْ سريعًا، عليكَ أن تُجاهرْ
أيَّ نوعٍ أنتَ من البَشَرْ".

"توًّا هذا الجسدُ الذي يحتويني تقلَّصَ
بمُريعِ العذابْ،
ممَّا أجبرني على بدْءِ القصَّةْ
ومِنْ ثمَّ أطلقَنِيْ وغابْ.

مُذَّاكَ في ساعةٍ غير محدَّدَةْ

يعاوِدُني ذاكَ الألم
وإلى أنْ تُرْوَى حكايتي المرصودَةْ
هذا القلبُ في داخلي يضطرمْ.

من بلادٍ إلى بلادٍ، كالليلِ عابرًا،
قدرةٌ على الكلامِ غريبةٌ لدَيْ
في اللحظة التي وجهَهُ مبصرًا
أعرفُ الرجلَ الذي يجبْ أنْ يُصغي إلَيْ
قصتي له معلمًا

ما صدَرَ عن ذاكَ البابِ، يا له من صخَبْ
ضيوفُ العرسِ هناك مجتمعين
ولكنَّ العروسَ في الرَّوْضِ
ووصيفاتُ العرسِ يغنين
وأنا منصِتٌ لأجراسِ المساءِ تدعُوْ إلى الفَرْضِ
ما دفعني للصلاةِ والترنيمْ

أيَاْ ضيفَ العرسِ، هذهِ النّفْسُ كانَتْ
وحيدةً في بحرٍ واسعٍ مترامِيْ
وحيدةً حتى أنَّ اللهَ ذاتَهُ
بالكادِ وجدَ حيثُ مقامِيْ.

آهٍ، أحلى من مأدبةِ العرسِ
بلْ إنَّها لي لأكثرُ حلاوَةْ
أنْ نترافَقَ إلى البيتِ المقدَّسِ
مع الصحبَةِ المستطابَةْ.

أنْ نترافَقَ إلى المعبَدْ
وأنْ نُصلّي معًا أجمعينْ
كلٌّ لإلهِهِ يسجُدْ
هرمينَ، أطفالاً وأصدقاءً محبّينْ.
والشبابَ والعذارَىْ الفرحينْ

الوداعَ، الوداعْ! لكنْ هذا مقالِيْ
لكَ أيا ضيفَ العرْسِ:
يُصلّي حسنًا من يُحبُّ حسنًا
كلاً من الطيرِ والوحشِ والإنْسِ.

يُصلّي أفضَلَ مَنْ يحبُّ أكثَرَ
كلَّ الأشياءِ عظيمَهَا وصغيرَهَا
لأنَّ الربَّ العزيزَ الذي يحبّنَا
صنَعَ وأحبَّ جميعَنَا."

مَضَى البحّارُ الذي عينُهُ تبُصّْ
الذي شَعْرُ ذقنِهِ مِنَ السِّنِّ شابْ
والآنَ ضيفُ العرْسْ
عن بابِ العريسِ غابْ.

ذهبَ كما لو في صدمَةٍ
بمشاعِرَ الكآبَةِ وحيدْ
رجلاً أكثرُ حزنًا، أكثرُ حكمةً
نهضَ في الصباحِ الجديدْ

*** *** ***

 

 

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود