المقاومة اللاعنفية هي الخيار

 

جاد يتيم

 

شكَّل الاعتداء الإسرائيلي على "أسطول الحرية"، الذي ضمَّ ناشطين عزل من مختلف الجنسيات والمعتقدات، ضربة مؤلمة جدًا للكيان الصهيوني زادت من عزلته الدولية التي اعتادها منذ نشأته أصلاً.

فالوحشية الإسرائيلية شكَّلت استفزازًا للقيم الإنسانية في العالم الذي اعتبرت شعوبه ودوله أنها غير مبررة بتاتًا مع سفن تحمل مساعدات غذائية لغزة المحاصرة، ومن دون أن يكون لدى المشاركين أي سلاح سوى العزم على الانتصار للمبادئ الإنسانية العامة.

في الحقيقة، اعتادت إسرائيل أن ترتكب مجازر واعتداءات وحشية تفوق بكثير ما حصل مع الناشطين الدوليين والعرب في المياه الدولية للبحر المتوسط، لكن حالات قليلة هي التي انتصر فيها العالم – أو اضطر للانتصار – للحق الإنساني ضد إسرائيل.

وإذا راجعنا قائمة الأحداث التي أثارت احتجاج العالم ضد إسرائيل وتضامنه مع قضية العرب المركزية في فلسطين، خصوصًا مع التطور الثوري في وسائل الإعلام والاتصال، فإننا نستطيع أن نلاحظ أن ذلك كان يحصل دائمًا عندما يختل ميزان قوى المواجهة. بمعنى آخر حين يفوق حجم القوة الإسرائيلية، وبشكل سافر، السبل التي يستخدمها الطرف العربي والفلسطيني تحديدًا لاسترجاع حقوقه المشروعة.

وبشكل واضح، أثبتت ردود الفعل التي أثارها الاعتداء على أسطول الحرية صحة خيار المقاومة اللاعنفية في وجه الغطرسة الإسرائيلية.

بكل بساطة، لا يربك إسرائيل أكثر من أن نواجهها بالسلاح الذي لا تملكه: المقاومة المدنية اللاعنفية. فقيادتها السياسية والعسكرية ستكون هنا أمام خيارين: إما الانسحاب من المواجهة أو استخدام القوة المفرطة التي تعبر عن العجز وتجر عليها العزلة والإدانة الدوليين. ذلك أنه بمقدار اتساع الهوة بين الوسائل التي نستخدمها للمقاومة ووسائل الرد الإسرائيلي نصبح أقوى، ويصبح الإسرائيلي أضعف بالتأكيد، وأحد الأمثلة اللبنانية المتواضعة في هذا المجال تحرير قرية أرنون الجنوبية.

والأمثلة في هذا المجال كثيرة، ولعل أبرزها انتفاضة الحجارة التي انفجرت العام 1987 في الأراضي المحتلة، والتي سببت لإسرائيل ضررًا فادحًا على مستوى تعاطف الرأي العام الدولي والشعبي تحديدًا، خصوصًا مع صور القمع الوحشي التي كانت تنقلها الشاشات في حينها للمنتفضين الذين ما كانوا يحملون سوى حجر وصدور عارية.

وبالتأكيد لا يمكن مقارنة إنجازات انتفاضة الحجارة بانتفاضة الأقصى العام 2000 والتي بدأت على مسار صحيح – وكلنا يذكر تأثير صور قتل الطفل محمد الدرة في أحضان والده أمام عدسات المصورين – قبل أن يجري جرها إلى أماكن أخرى لم تخدم سوى العدو الإسرائيلي. ففي حين يمكن اعتبار أن انتفاضة 1987 نقلت المجتمع الإسرائيلي من حالة رفض البحث بمصير "يهودا والسامرا" إلى الاقتناع بحق فلسطيني ما عبر عنه – بتضافر ظروف دولية – اتفاق أوسلو الذي وضع أسس "دولةٍ" ما، فإن انتفاضة 2000 قضت على ما كان لسلطة الحكم الذاتي من مؤسسات.

وفي هذا الإطار، هناك رأي للناشط والمنظر للحركة العنفية في لبنان الدكتور وليد صليبي الذي رأى أنه بعد النجاحات التي حققتها انتفاضة الحجارة كان يجب أن تنتقل إلى مستوى أعلى من التصعيد فتنتقل من "انتفاضة حجارة" إلى "انتفاضة ورود!".

دائمًا كان اللاعنف وسيلة ناجعة لتحقيق الانتصارات، سواء على الأنظمة الديكتاتورية أو الاحتلالات، وهذا ما تحقق مع غاندي في الهند، ملهم هذه الحركة اللاعنفية في العالم، ومع ليش فاليسا في بولندا، ومع السود في أميركا خلال سعيهم لنيل حقوقهم حيث كانوا يتجمعون ويدخلون إلى مطاعم يمنع على السود دخولها، ويجلسون ويتعرضون للإهانات والضرب من قبل البيض من دون أن يردوا على الأذية ما أثار الرأي العام والقوى الإنسانية الى جانبهم.

هذا هو الجوهر، وهكذا تصاب إسرائيل بمقتل حين نواجهها بسلاح لا تملكه... ولذا يجب جرها إلى حيث نكون الأقوى، ولا يكون ذلك بالطبع حين نستخدم السلاح لأنها تملك الأقوى، بل ويمنحها ذلك غطاء مجتمع دولي منحاز إليها أصلاً.

لست هنا في معرض تحليل الدوافع الإسرائيلية والتركية والرسائل المتبادلة بين الدولتين من وراء الاعتداء على الأسطول، لكن بالتأكيد هناك إجماع على أن الاعتداء الإسرائيلي في مواجهة ناشطين لاعنفيين قد نقل المنطقة إلى تحالفات وأفق جديدة، بل وكثير من المحللين رأوا أنه جاء كذروة للجو الدولي العام الذي تتلبد في سمائه غيوم السأم من الممارسات الإسرائيلية.

لا يمكن لأيِّ عملية مسلحة وعنفية أن تحقق خلال وقت قصير كل هذه الانجازات والتحولات في المزاجين الإقليمي والعالمي.

ما حصل أعاد الصراع إلى جوهره الإنساني، سلَّط الضوء على إسرائيل بصفتها لا تحترم القيم الإنسانية، وأخرج الصراع من الثنائية الدينية الضيقة بين يهود ومسلمين.

هناك حقيقة عادت إلى الواجهة، أنه إذا كانت المقاومة المسلحة وصلت إلى منتهى غاياتها، فإن خيار المقاومة اللاعنفي ما زال يملك الأفق الأوسع ويعود الخيار الأنجح والأفعل لقيادة الصراع منذ الآن فصاعدًا، بل وأثبت أنه ما زال في بداية موسم حصاد الانتصارات "غير الإلهية"... وهي موضع الرهان لتغيير وجه المنطقة.

*** *** ***

النهار

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود