ما سيُنسى...

 

لواء يازجي

 

ما سيُنسى...

الشرفة الصغيرة المهجورة تطل على شحار منوَر
رائحة المازوت والمؤنة
وسلحفاة منسية،
زجاج مبخَّر بطقس حمَّام الأسبوع
وسنونو يقود داخلاً بتهوُّر.. كي يضيع في البيت
ويصير حكاية.

أشعة غبار تحمل آخر صقيع الشتاء
تنفذ كسهام في البيت..
في ورق جدران قديم بأزهار مكررة
في لون أرائك غاص إسفنجها عميقًا في القاع، وبهت..
في الأماكن الحميمة التي لم تترك
سوى فراغ مرسوم على البلاط.
في الخرز المحشور بين الوسائد،
تعاقبت عليه أجيال دون انتباه..
في الورد المجفف أبدًا في مزهريات
في صوت غليان الماء في حوض سمك يذكر بقدور السحرة،
في علب معدنية لأزرار ملونة
وشوكولا مُبيَضَّة لا تتغير مخبأة لضيوف لا يتغيرون..

المطبخ رطب ودافئ كجوف؛
ستائره مندَّاة
بخار جبن..
غسيل باذنجان منشور..
القرع جفَّ.
لصاقات جميلة تشوه البرَّاد
إبريق الشاي أعرج
والقليل كثير على حياء.

في الغرفة غسيل منشور
(ستُمطر هنا أيضًا)
تنبعث من الخزن رائحة قمصان مقلَّمة محشورة
تزدحم في رطوبة خشب حميم
لأبناء غادروا ولم يعودوا،
وفراغ مخيف في درج
يُفشي بابن الأربعين؛
يضحك وحده على الشرفة
يناجي الغبار والفيزياء
وينصت لوشيش الراديو باهتمام
يبيع ثيابه للمارة
ويرمي كتبه من النوافذ
للمهتمين.
...
في الغرفة
برد الجدة
ولحافها على ركبتيها
نظارتها المربعة
وتفكيرها بصوت عال
كلمة سرِّ موت الجدِّ
وتلك المرآة السوداء المريبة
سرج الخيال..
...
في الغرفة
علبة التلفزيون وخشبه
الكتب المرتفعة للأعلى كمداخن
والرفوف المحنية لها،
صور لأبطال العائلة بلونين
وساعة الرعب التي تُيبِّس الوقت
كلما دقَّ.

في الليل..
هواء ضعيف يحرك الأشجار وظلها
برد يعوي عند الناصية
حيث يمرُّ الغريب، الوحيد، المُهاب.
أزيز الأبوب المهيبة
وكل ما خبأنا من أسرار اليوم..
وتحت اللحاف الرطب الكابس للعظم
نسمع شارة الأخبار تنبعث من كل بيت
ونراقب
عثة صغيرة تتبختر في الهواء
تحطُّ على سجادتنا المفخخة ببقايا خبز يابس
ونتكركر من الضحك
نحن الأطفال
الذين سنكبر
..
نحن الأطفال
الذين سننسى!

***

كمن يشرب من نبع

يحوم الذباب على المسيح
الواقف متسولاً عند الجسر؛
كالعازف
يذرف روحه بصمت
وحنين للمارة..
بعض القطع المعدنية للعازف،
وزهرة برية... تطير
تحطُّ على يد الربِّ.
يصل العنكبوت بين تاجه وأذنه وفمه،
يهمس له:
"إنهم لا يرونك!"
وتبقى يد المسيح
فارغة... ممدودة
تشير إلى العازف
الذي تطير خطوط موسيقاه.

عجوز الماء
تسير القليل،
تزحف بأصابعها على أطراف الضفة
لتصعد درجًا مستويًا إلى الأمام.
...
تفسح الغيوم المجال للشمس،
يسرع الناس هربًا من صراحة الضوء،
بينما تَصرُّ الفتاة الجالسة أمام الرسَّام
عينيها...

على الجسر،
يقفان باعتياد..
يسندان كوعَيْهما على الحجر..
إنه يحبها؛
هذا الفتى... يحبها
لأنه يقبلها كمن يشرب من نبع.

*** *** ***

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني