إضاءات

أيلول 2014

September  2014

 

 

نحن نعاني، هذه حقيقة. لا أتحدث هنا عن صورتنا أمام الآخرين وكلامنا وادِّعاءنا بأننا سعداء، والأمر نسبي، لكن ما أقصده هو تلك الزاوية التي ننزوي فيها بمفردنا لأننا عاجزون عن التواصل مع ذواتنا قبل كل شيء وإدراك حجم تعاستنا وانعزالنا ورغباتنا في أن نكون أفضل! أقصد تلاشي هويتنا الواضحة ما يعكس تحولنا إلى أدوات، فحتى تتحقق الهوية الإنسانية ينبغي أن نكون ذواتًا وليس أدوات. ربما نحن ضحايا، أؤكد أننا فعلاً ضحايا. كل ما حولنا يقول بأننا سيئون، الإعلانات على التلفاز دومًا تذكرك بأن هناك شيء لا تملكه وبالتالي أنت لست في أفضل حال وكل ما تحتاجه هو الذهاب واستهلاك أي شيء لتأمين رضىً مؤقت سرعان ما يزول وذلك باستهلاك وسائل التسلية السلبية عبر الفيديو أو الأفلام أو التعنت الشرائي لكل ما هو متاح، وتحول الحياة النفسية للإنسان إلى شعار "أنا موجود بقدر ما أملك وبقدر ما أستهلك". إن هذه الحقيقة الهشة لحياة الإنسان الآن هي التي تجعله في حالة من الضياع وتدفعه ليقول دائمًا ما هذه الحياة؟ إنها لا تحتمل. وعلى الرغم من هذا يستمر المرء بأن يكون جزءًا من هذه الدوامة التي لا تحتمل!

 

طوال ألفين أو ثلاثة آلاف عام وحتى الآن، وفي ثقافات كثيرة وحضارات كثيرة، تعاملت المجتمعات مع نصوص محددة بأسلوب خاص مُلفت. هذه النصوص التي نسميها الكتب المقدسة استُدعيت في التاريخ البشري كي تخدم فكرة تشمل مواقف متعددة. لكن ربما علينا التذكير أولاً أن "الكتاب المقدس Scripture" مصطلح غربي خُصص للعهدين القديم والجديد اللذين حظيا بإجلال اليهود والمسيحيين، وإن بشكل مختلف، ولم يخضع هذا المصطلح ولا مضمون ما يمثله إلى إعادة نظر إلا بصعوبة وفي وقت متأخر. ولذلك تأخر ما نعرفه الآن من اختلافات عبر القرون، عدا عن الاختلافات بين المجتمعات والنصوص والمعالَجات، كما لم يُفكَّر مليًا وبكفاية لا بالتشابهات ولا بالتباينات. ويظهر من الفحص الدقيق أن تحول كتاب إلى كتاب مقدس ليس خاصية أصلية لنص معين، أو لنوع من النصوص، بقدر ما هو علاقة تفاعل بين ذلك النص وجماعة الناس (حتى لو أن هذه العلاقة لم تكن ثابتة)، بل لعل المرء يتحدث عن ميل واسع للتعامل مع النصوص وكأنها "كتب مقدسة": أي ثمة نزوع لدى البشر لتقديس كتاب.

 

تُعدُّ كتابةُ تمهيدٍ لإعادة نشر صفحات نشرناها منذ ثلاثين عامًا وكأنها تمهيد لكتاب مؤلِّفٍ آخر، باستثناء أننا وعلى الفور نرى ونستشعر نواقصه بمرارةٍ. النص الذي سنقرؤه موجزٌ لمحاضرات أربع ألقيت عامي 1946 و1947 تحت عنوان الزمان والآخر، وذلك خلال السنة الأولى من عمل الكوليج فيلوسوفك التي أسسها جان وول في قلب الحي اللاتيني. نُشر للمرة الأولى ضمن مجموعة مشتركة عام 1948 تحت عنوان الاختيار، العالم، الوجود؛ أولى منشورات الكوليج فيلوسوفك. كنَّا حينها مسرورين للعمل مع جان إيرش، وألفونس دو ويلينس، إضافة إلى جان وول. لا شك في أنَّ الأسلوب (أو اللاأسلوب) المحكي لهذا النص، خصوصًا في انعطافات محددة، كان حادًا وغير متقن. يوجد أيضًا في هذه المحاولات طروحات لم تكن سياقاتها قد اكتملت بعد، ولم يتم المضي ببداياتها حتى النهاية، ولا تنظيم شتاتها. كنا قد أشرنا في ملاحظة تمهيدية عام 1948 إلى كل هذه العيوب التي ربما أدانها تقدم هذا النص في الزمن.

 

 

وسيبقى الشعب وفق هذه المنظومة عالقًا في ثنائية العالِمْ والمُتعلِّم. ورغم سيادته الظاهرية فقط سيستمر هذا الشعب أداةً لنقل أفكار ووصايا ومصالح الغير. وسيكون بين هذا الوضع وما ندعوه الحرية - أعني الحرية الحقيقية - فجوة، وسيعود القمع والعبودية بأشكالهما القديمة ولكن بشروط جديدة، وحيثما توجد العبودية هناك البؤس والوحشية. ولا توجد المادية الاجتماعية الحقيقية بين الجموع الشعبية فقط ولكن بين الطبقات صاحبة الامتيازات.

ففي سعيهم إلى تأليه كل ما هو إنساني ينتهي المثاليون دومًا بانتصارهم للماديَّة الفظَّة brutal materialism لسبب واحد وبسيط؛ فكل ما هو إلهي يتبخر ويرتفع عائدًا إلى موطنه الخاص، أي إلى الجنة، بينما كل ما هو وحشي يبقى على الأرض.

 

يخطئ من يعتقد أن الأفراد هم المسؤولون عن إصدار فتاوى التكفير، إذ بذلك يتم تجاهل التأثير الذي ما زالت تمارسه تجارب الصراع والحرب المستمرين بين الأديان، أو بين توجهات معينة من داخل الدين الواحد. كما يتم التغاضي عن مجموعة من النصوص الدينية في القرآن والسنة تشير جميعها إلى حالة الارتداد الديني وتوضح أشكال العقاب الدنيوي أو الأخروي المترتبة عنها؛ ففي القرآن مثلاً ورد في سورة البقرة: "وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (الآية 217). والعقاب في هذه الآية عقاب في الحياة الأخروية يقوم به رب العالمين. وفي السنة ورد: "من بدل دينه فاقتلوه". والعقاب هنا من جنس العقاب الدنيوي يقوم به أشخاص معينون.

 

 

مع بداية سبعينيات القرن الماضي، وفي غمار حركات تحرُّر المرأة، شرعت لوس إريغاراي في الكتابة الفلسفية حول الذَّات النسوية. ويمكن تصنيف محاولتها في خانة إيجاد مكان لخطاب المرأة، مفكِّكة بذلك الخطاب الذكوري بدءًا من فرويد، وماركس ونيتشه وهيدغر لتحديد ما يتعلَّق بسؤال المرأة.

تُـعدُّ المحللة النفسانية وعالمة اللسانيات الفرنسية ذات الأصول البلجيكية لوس إيريـغاراي Luce Irigaray واحدة من أهمِّ وأصعب رائدات الحركة النسوية الفرنسية، نظرًا لأسلوبها المعقَّد في الكتابة. وغالبًا ما يقترن اسمها بإلين سكسو Hèléne Cixous، وسيمون دي بوفوار Simone de Beauvoir وجوليا كريستيفا Julia Kristeva لتبنيها نظريات التحليل النفسي من أجل مناقشة المسائل النسوية وإثارة قضايا الاختلاف. لهذا يُعدُّ البعد الأكثر شهرة في فكر إريغاراي، استثمار التناقضات والافتراضات الجندرية في عمل كل من فرويد وزميله جاك لاكان، موظِّفة المقاربة التفكيكية؛ حيث نادت بضرورة تفكيك اللغة لإنشاء نظير نسوي لـمقولات التحليل النفسي التقليدية. إن النساء باعتبارهن ذوات، يقبعن تحت وضع مقلق، ومتناقض

 

 

يوجد طيفان يسكنان الذات: طيف الإرادة وطيف الحرية. كل شيء يدفعها إلى المطالبة بالممارسة الكاملة للأولى، والاستخدام غير المحدود للثانية. فمن غير القانوني اليوم ألا نريد أنفسنا أحرارًا، أو أن نتخلى عن إرادتنا الذاتية.

يصبح الإنسان "المحرَّر" مسؤولاً بقوة القانون عن الشروط الموضوعية لوجوده. وهو مصير أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه مبهم: مثلاً، العامل "المحرر" يقع رهينةً للشروط الموضوعية لسوق العمل.

بالتزامن مع حركة التحرر (تحرر الطاقة، والجنس، والفضائل الأخلاقية، والعمل) تنخرط الحداثة في تحويل كل ما كان ينتمي إلى الخيالي والحلم والمثالي واليوتوبيا إلى واقع تقني وعملياتي. نشهد اليوم تحقق كافة الرغبات، وتحقق كافة الممكنات، وإنجازًا غير مشروط لها، فقد انتهى التعالي والإنسان المستلَب: إننا أمام فرد مشبع الرغبات – افتراضيًا، طبعًا: فالمجال الافتراضي هو الذي يجعل الواقعي كليًا بامتصاصه لكل تناوبية تخيلية ليصبح الفرد أخيرًا في هوية مع ذاته ويتحقق وعد الأنا. إن نبوءة التاريخ الحديث، من هيغل وماركس إلى ستيرنر والوضعيين، نبوءة تملُّك الذات لذاتها ونهاية الاستلاب قد تحققت، ليس للأفضل بل للأسوأ. عَبَرنا من الآخر إلى الذات، ومن الاستلاب إلى التماهي (أيضًا، نبوءة نيتشه عن انقلاب transvaluation القيم تحققت على نحو سيء من خلال العبور، ليس إلى ما وراء بل إلى ما دون الخير والشر).

 

 

قد يفيد أن نحاول وضع يدنا على المعنى المراد من كلمة "نموذج" قبل أن نبحث في سلطته في الفكر العربيِّ. وأول ما يتبادر للذهن أن من الوجاهة المعرفية النَّظر إلى معنى النَّموذج من خلال اندراج هذه الكلمة في سياق العبارة نفسها "سلطة النَّموذج في الفكر العربيِّ" حتى لا ننداح في تشقيق معانٍ ودلالاتٍ قد يحتاجُ التَّوسُّع فيها إلى عدد كبير من الصفحات. لذلك فإنَّ وجهة النظر هنا ستقارب معنى النَّموذج من داخل علاقة المفردة بما يجاورها من قبل ومن بعد من المفردات، لاسيما وأنَّ العبارة تعطي من تلقاء ذاتها فضاء ممكنًا لترسيم المعنى وفهمه على نحو محدَّد.

 

 

وقد عرضت السبب الرئيسي والفعلي الكامن وراء السيطرة التي تمارسها المعتقدات الدينية على الجموع. وتدل هذه النزعات الصوفية على عدم الرضى العميق في القلب أكثر منه على السخط في العقل. وهي نوع من الاحتجاج الغريزي والعاطفي للكائن البشري على ضيق وتفاهة وأوجاع وعار وجود تعيس. وقد قلت لتوي إن هناك علاجًا واحدًا لهذا الداء وهو الثورة الاجتماعية.

في هذا الوقت حاولت أن أظهر الأسباب المسؤولة عن الظهور والتطور التاريخي لهذه الهلوسات الدينية في الضمير البشري. وغرضي هنا أن أعالج مسألة وجود الله أو الأصل المقدس للعالم وللبشر، من منطلق وحيد ألا وهو النفعية الأخلاقية والاجتماعية ولكن سأقول بخصوص هذا القليل بغرض شرح أفكاري حول الأسس النظرية لهذا المعتقد.

 

 

-1-

تذهب السياسة العربية في علاقاتها بالسياسات الأميركية-الأوروبية، إلى مزيد من الخسران والتبعيَّة.

وراء ذلك أسبابٌ كثيرة أهمُّها:

الأوَّل، يبدو العرب «واحدًا» على مستوى اللفظ. لكنَّهم، على مستوى العمل، يبدون كثرة، ومتنوِّعين إلى درجة التناقض. وليست لهم قضيَّة واحدة يُجمِعون عليها إجماعًا كاملاً، قولاً وعملاً، ظاهرًا وباطنًا.

اللفظ «يوحِّدهم» والعمل «يبدِّدهم».

وهذه ظاهرة عربية خاصَّة تدفع إلى القول إنَّ مشكلة العرب الكبرى تكمن في العرب أنفسهم.

 

لم يكن المفكرون وحتى الفقهاء العرب معقدين من مسألة الجنس والجنسانية بل كانوا يتحدثون ويكتبون في الموضوع من دون أي حرج. كان موقف القدامى حرًا ومنفتحًا تجاه مختلف العلاقات الجنسية مقارنةً بما يحدث اليوم. فلماذا وكيف انتقلت المجتمعات العربية من الجهر بالمتعة إلى حياة السرية والمنع؟ ما سبب هذا التراجع؟ في هذا الاستطلاع مع عدد من الباحثين العرب بعض عناصر إجابة.

 

 

 

 

 

 

 

الصفحة الأولى
Front Page

 افتتاحية
Editorial

منقولات روحيّة
Spiritual Traditions

أسطورة
Mythology

قيم خالدة
Perennial Ethics

 إضاءات
Spotlights

 إبستمولوجيا
Epistemology

 طبابة بديلة
Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة
Deep Ecology

علم نفس الأعماق
Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة
Nonviolence & Resistance

 أدب
Literature

 كتب وقراءات
Books & Readings

 فنّ
Art

 مرصد
On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني