الصوفي يصيخ السمع...

 

محمود حيدر

 

في فلسفة التأويل* يذهب د. نصر حامد أبو زيد إلى منطقة التصوف. وبرفقة محيي الدين بن عربي يحاول التقرُّب من مطارحها الأكثر شفافية ورهبة. فها هو ذا يستعين بالشيخ الأكبر لكي ينشئ بحثه الفلسفي في تأويل القرآن. لكني لست إخاله بلغ الأمان والرضى فيما انتهى إليه النص المنشأ، على امتداد 427 صفحة؛ فربما حصل عكس ذلك. فالمنطقة التي ارتحل إليها، وفيها، تحمل على الحيرة؛ على استطراد البحث عما يخفى منها. فكيف به إذا كانت مفتوحة على فضاء لا حدود له، ولا حصر لمنتهاه! ولاسيما أن الباحث قد انبرى إلى الاستغراق في حفر الباطن عن طريق ثلاث نوافذ وعرة:

-         التصوف، حيث لا يُقيَّض للداخل إليه أن يدرك عوالمه المجهولة، إلا إذا عَبَرَ العتمة. إذ تستحيل فيه الرؤيا من دون إغلاق البصر. فالتصوف هو إغلاق العين، على ما يقول كولن ولسن. وهو رؤية ما لا يراه الآخرون.

-         القرآن كجامع للوجود. وفيما هو كلمات الله المرموقة التي توازي الوجود وترمز إليه، كما توازي الإنسان وترمز إلى حقائقه. القرآن في مثل هذا التصور موازٍ للوجود وموازٍ للإنسان في الوقت نفسه. وهو – مثل الوجود والإنسان – له جانبان: جانب باطن كلياً هو جمعيَّته من حيث هو قرآن تنزَّل على قلب النبي وما زال يتنزَّل متجدداً على قلوب العارفين؛ وجانب ظاهر من حيث تلاوته باللسان وتحويله إلى أصوات وحروف منطوقة. وهذه التفرقة بين جانبي القرآن الباطن والظاهر تمكِّن ابن عربي – بسهولة – من حل معضلة قِدَم القرآن وحدوثه. هذه الموازاة بين القرآن والوجود والإنسان تؤدي إلى تحرُّر العارف في فهمه للنص القرآني من حدود المعطيات اللغوية المباشرة، حيث يمكنه أن يرى القرآن في ضوء وجودي ونَفَس أشمل. ولا تصبح العلاقة بين العارف والنص – في ظل هذا الفهم – علاقة انفصال، بل هي علاقة تَوَحُّد منظور إليها من جانبين وباعتبارين. إن العارف يقرأ في القرآن الوجود بأسره، كما يقرأ فيه نفسه ومعارفه. إذ الوجود كلمات الله، والعارف – أو الإنسان الكامل – هو كلمة الله الجامعة (ص 264-278).

-         وابن عربي، كناطق للباطن وعارف به، يأتي نصه ليضيء على وجود، يبدو لسواه من غير أهل المقام عدماً معتماً؛ بينما هو، في الحقيقة، الحقيقةُ عينها. وجود نوراني، ألوانُه مشعةٌ، مبهرةٌ، لا نهاية لعددها وتنوعها وتغيُّرها المستديم.

في هذه النوافذ الثلاث يستلزم الدخول أقصى المجاهدة. وعلى الداخل، حتى لو كان باحثاً آتياً من خارج مقامات الصوفية، أن يُعِدًّ العدة لامتحان صعب. إذ الكلام على التصوُّف والقرآن، ومن خلال ابن عربي بالذات، يماثل البحث عن حقائق الوجود بوسائط لغوية تستعصي على الفهم والإدراك السهل. حيث يشتبك العقل الفلسفي بالعرفان الذوقي، وكلاهما بعلم الكلام والفقه والشريعة.

يعدُّ بحث فلسفة التأويل لنصر حامد أبو زيد – من إحدى زواياه – امتداداً للدراسة التي قام بها الباحث في مرحلة سابقة عن قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة (الاتجاه العقلي في التفسير). وقد انتهى الباحث في دراسته السابقة إلى أن المجاز تحوَّل في يد المتكلِّمين إلى سلاح لرفع التناقض المتوهَّم بين آيات القرآن من جهة، وبين القرآن وأدلة العقل من جهة أخرى. وقد كانت هذه النتيجة هي الأساس الذي حدا بالباحث إلى محاولة استكشاف منطقة أخرى من مناطق الفكر الديني – هي منطقة التصوُّف – لدراسة تلك العلاقة بين الفكر والنص الديني واستكناه طبيعتها ومناقشة المعضلات التي تثيرها، وذلك استكمالاً للجانبين الرئيسيين في التراث: الجانب العقلي كما يمثل له المعتزلة، والجانب الذوقي عند المتصوفة. وخلال الفترة الطويلة التي استغرقها هذا البحث تعدَّل كثير من الأفكار والمفاهيم التي انطلق منها الباحث، خاصة المفهوم الرئيسي الذي تقوم عليه الدراسة وهو مفهوم التأويل. لقد بدأ الباحث دراسته الأولى من خلال المفهوم الشائع في فكرنا الديني والفلسفي المعاصر الذي يرى التأويل جهداً عقلياً ذاتياً لإخضاع النص الديني لتصورات المفسِّر ومفاهيمه وأفكاره. وهي نظرة تُغفِلُ دور النص وما يرتبط به من تراث تفسيري وتأثيره على فكر المفسِّر. إن العلاقة بين المفسِّر والنص ليست علاقة إخضاع من جانب المفسِّر وخضوع من جانب النص؛ فالأحرى القول إنها علاقة جدلية قائمة على التفاعل المتبادل.

سوف نسجل للمؤلف براعته في توليف دراسته، على الأخص لجهة قدرته على التعامل ولغة ابن عربي الإشارية الرمزية. لقد اعتمد على أهم ما كتب الشيخ الأكبر في عرض فلسفته الذوقية ونظرته إلى الوجود من خلال تأويل القرآن الكريم. وهي: الفتوحات المكِّية، فصوص الحكم والتدبيرات الإلهية، فضلاً عن الاستعانة أحياناً بمراجع أخرى مثل: تنزُّل الأملاك، كتاب الواو والنون والميم، ترجمان الأشواق، وسواها. وهذه مرجعيات تشكل بجملتها المشروع الرؤيوي للوجود عند ابن عربي. وهي مرجعيات صعبة المراس نظراً إلى لغتها غير العادية. يقول العلامة نيكولسون في وصف أسلوب ابن عربي في فصوص الحكم: "إنه يأخذ نصاً من القرآن أو الحديث ويؤوِّله بالطريقة التي نعرفها في كتابات فيلون اليهودي وأوريجنس الإسكندري. ونظرياته في هذا الكتاب صعبة الفهم، وأصعب من ذلك شرحها وتفسيرها، لأن لغته اصطلاحية خاصة، مجازية معقدة في معظم الأحيان. وأي تفسير حرفي لها يُفسِد معناها. ولكننا إذا أهملنا اصطلاحاته تعذَّر فهم كتابه وتعذَّر الوصول إلى فكرة واضحة عن معانيه. ويمثل الكتاب في جملته نوعاً خاصاً من التصوُّف المدرسي العميق الغامض." (فصوص الحكم والتعليقات عليه، أبو العلا عفيفي، دار الكتاب العربي، ص 12).

ويعلق أبو العلا عفيفي على غموض أسلوب ابن عربي وأهل الصوفية عموماً فيقول: "المعروف عن الصوفية إطلاقاً أنهم قومٌ لا يتكلمون بلسان عموم الخلق، ولا يخوضون فيما يخوض فيه الناس من مسائل علم الظاهر، وإنما يتكلمون بلسان الرمز والإشارة إما ضَناً بما يقولون على من ليسوا أهلاً له، وإما لأن لغة العموم لا تفي بالتعبير عن معانيهم وما يحسونه في أذواقهم ومواجدهم. أما ما يرمزون إليه فحقائق العلم الباطن الذي يتلقونه وراثة عن النبي، وهذه الحقائق لا يستقل بفهمها عقلٌ، ولا بالتعبير عنها لغة. وهذان الأمران وحدهما كافيان في تفسير الصعوبات التي تعترض سبيل الباحث في فهم معاني الصوفية ومراميهم. ولذا كان الحذر ألزم ما يلزم الناظر في أقوالهم حين يحلِّلها أو يؤوِّلها أو يحكم عليها." (عفيفي، مقدمة الفصوص، ص 15).

لم يخفَ على الباحث وجه التحدي في التعاطي ولغة ابن عربي. فهو قد أدرك منذ الابتداء أن تحدياً كهذا يستلزم الأخذ بجماع النص الذي يقدمه كبير الصوفية؛ أي الأخذ باللغة والمعنى فيما هما كلٌّ متكامل. إذ اللغة هي المعنى، والمعنى هو اللغة. فلا فصل بينهما، حتى من الناحية الوظيفية التي تؤديها اللغة لبلوغ القصد في خصوصية تأويل القرآن عند ابن عربي. لذا لا يجد الباحث مفراً – في دراسة التأويل – من مواجهة فلسفة ابن عربي كلِّها في جوانبها الوجودية والمعرفية، إلى جانب مفاهيمه الخاصة بماهية النص الديني ودوره المعرفي والوجودي، ومفهوم اللغة بمستوياتها المتعددة باعتبارها الوسيط الذي يتجلى من خلاله النص. الوجود، في نظر ابن عربي، خيال يماثل الصور التي تتراءى للنائم في أحلامه. والمراتب المختلفة والمتعددة للوجود، من أولها إلى آخرها (الوجود الإنساني) تخضع جميعاً لهذا التصور. من هذا المنطلق يفرِّق ابن عربي بين ظاهر الوجود وباطنه، ويرى ضرورة النفاذ من الظاهر الحسي المتعيِّن إلى الباطن الروحي العميق، في رحلة تأويليَّة لا يقوم بها إلا الإنسان، لأنه الكون الجامع الذي اجتمعت فيه حقائق الوجود وحقائق الألوهة في الوقت نفسه. يتماثل مع هذا التصور الوجودي تصوُّرُ ابن عربي للنص الديني؛ فهو الوجود المتجلِّي من خلال اللغة، وهو – بالمثل – يتكوَّن من ظاهر وباطن، وهما مراتب ومستويات تتماثل مع مراتب الوجود ومستوياته. ولا ينفصل تأويل الوجود عن تأويل النص والنفاذ إلى مستوياته المتعددة التي لا يفهمها إلا الإنسان الكامل الذي تحقَّق بباطن الوجود وتجاوز ظاهره (ص 6).

ويذهب الباحث إلى الاستشهاد بابن عربي نفسه في تبيين لغته الحادة الخصوصية، حيث يقول في الفتوحات المكية (1/38 و 1/135) عن عقيدته بأنها نفس عقيدة أهل السنة الأشاعرة ويضيف: "فهذه عقيدة العوام من أهل الإسلام، أهل التقليد وأهل النظر ملخَّصة مختصرة... ثم أتلوها بعقيدة خواص أهل الله من أهل الطريق المحقِّقين، أهل الكشف والوجود... وأما التصريح بعقيدة الخواص، فما أفردتها على التعيين لما فيها من الغموض، لكن جئت بها مبدَّدة في أبواب هذا الكتاب، مستوفاة، مبيَّنة، لكنها كما ذكرنا متفرقة. فمن رزَقَهُ الله الفهم فيها يعرف قدرها، ويميزها من غيرها؛ فإنه العلم الحق والقول الصدق، وليس وراءها مرمى، ويستوي فيها البصير والأعمى، تُلحِق الأباعد بالأداني وتَلْحَم الأسافل بالأعالي."

إن المعضلة، كما يطرحها ابن عربي، هي معضلة الوجود المعرفة. وهي أكبر من أن تتسع لها اللغة العادية الاصطلاحية المتداولة – كما يقرِّر الباحث. ولذلك لابد من استخدام لغة رمزية جديدة تتغلب على هذه المعضلة وتنفذ من إطار سجن اللغة العادية الضيق. ولكن اللغة الجديدة لابد أن تتسم ببعض الغموض. وهذا عائد في رأي ابن عربي نفسه "إلى ما تعطيه الألفاظ من القوة في أصل وضعها، لا ما هو عليه الأمر في نفسه عند أهل الأذواق". وهذا يعني أن الأصل – أصل الحقيقة المعرفية – هو الذي يقرِّر اللغة المناسبة له، المطابقة لسيرورته الباطنية؛ إذ الحقيقة هنا مجموعة مستترة إلاَّ عمَّن مَنَّ الله عليهم بالكشف. هنا تكمن تأويليَّة ابن عربي للقرآن. بوصفه لغة إلهية تتسع رحابتها للوجود كله، وللإنسان كله، بما هو علة هذا الوجود.

والموازاة بين القرآن والوجود والإنسان تؤدي إلى تحرر العارف، في فهمه للنص القرآني، من حدود المعطيات اللغوية المباشرة، حيث يمكن له أن يرى القرآن في ضوء وجودي أشمل. ولا تصبح العلاقة بين العارف والنص – في ظل هذا الفهم – علاقة انفصال، بل هي علاقة توحُّد، منظوراً إليها من جانبين وباعتبارين. إن العارف يقرأ في القرآن الوجود بأسره، كما يقرأ فيه نفسه ومعارفه، إذ الوجود كلمات الله، والعارف – أو الإنسان الكامل – هو كلمة الله الجامعة.

العارفون، بحسب ابن عربي في الفتوحات 4/161، يدركون حقيقة أن الله هو المتكلِّم على كل لسان: "فكل قائل عندهم فليس إلاَّ الله، وكل قول علمٌ إلهيٌّ. وما بقيت الصيغة إلا في صورة السماع من ذلك، فإن ثَمَّ قول امتثال شرعاً وقول ابتلاء، فما بقي إلا الفهم الذي به يقع التفاضل."

العارف، إذن، يرى الوجود كله كلمات الله، ويرى كل كلام في الوجود كلاماً لله. وهذا الكلام الوجودي ينقسم إلى ما يجب امتثاله شرعاً – وهو كلام الله المباشر بالأمر والنهي، وما يُعَدُّ ابتلاء – وهو كلام كل متكلِّم في الوجود. هذا الكلام–الابتلاء قد يكون خيراً وقد يكون شراً، والفهم هو الذي يفرِّق بين هذين المستويين. إن استماع الصوفي للكلام – أياً كان الناطق به –

يعتمد على الفهم. والاستماع والفهم مصطلحان يدلان على معنى واحد، فيستطيع التفرقة بين الكلام الذي يجب امتثاله – وهو الكلام المباشر – وبين الكلام الابتلاء – وهو كلام الله من خلال المتكلِّمين. الكلام الذي يجب امتثاله هو كلام الله على لسان المرسل بالوحي المُنزَل؛ أما كلام الابتلاء فهو كلام الله على ألسنة البشر وغيرهم من الكائنات. والصوفي قادر على سماع هذا الكلام كله، وقادر، في الوقت نفسه، على أن يميِّز بين مستويات الكلام ومراتبه (ص 279).

منذ الابتداء، يوضِّح الباحث المقصود من التأويل القرآني عند ابن عربي. وهو يرمي بذلك إلى محاولة إزالة ما يلتبس العلاقة بين التفسير والتأويل. ذلك أن الفارق بين الاصطلاحين جوهري – لاسيما إذا جرى التعامل معهما بمعناهما ومفهومهما الشائع. ومع ذلك، فإن كثيرين ممن يفرِّقون بين تفسير القرآن لدى شيوخ الشريعة والفقه واللغة، وتأويله لدى شيوخ الصوفية، يقعون في لبس إضافي. أغلبهم يُعْلي من شأن التفسير ويغضُّ من قيمة التأويل على أساس من موضوعية الأول وذاتية الثاني.

الموضوعية في الحالة الأولى موضوعية تاريخية تفترض إمكان أن يتجاوز المفسِّر إطار واقعه التاريخي وهموم عصره، وأن يتبنى موقف المعاصرين للنص، ويفهم النص كما فهموه في إطار معطيات اللغة التاريخية عصر نزوله. ومثل هذا التصور يقع في تناقض منطقي من الوجهة الدينية الاعتقادية التي ينطلق منها أصحابه؛ إذ النص عندهم صالح لكل زمان ومكان لأنه يحتوي كل الحقائق ويعد جماعاً للمعرفة التامة. ومثل هذا الاعتقاد يتناقض تماماً مع القول بضرورة اعتماد المفسِّر على المأثورات المرويَّة عن الجيل الأول أو الجيل الثاني على الأكثر، والوقوف عند فهمهم وتفسيرهم للنص.

ولكي يحلَّ أصحاب هذا التصور مثل هذا التعارض المنطقي، ذهبوا إلى أن المعرفة الدينية لا تتطور، وأن جيل الصحابة والتابعين قد أوتوا المعرفة الكاملة التامة، فيما يتصل بالوحي ومعناه، وأن التمسك بمعرفتهم هو العاصم من الزلل والانحراف. وهكذا انتهى الأمر بهم إلى عزل المعرفة الدينية عن غيرها من أنواع المعرفة، من جهة، وإلى إنكار تطور المعرفة الإنسانية، من جهة أخرى. وهنا يعطي الباحث دليلاً تاريخياً نموذجياً على هذه الحالة ابن تيميَّة وتلميذه ابن القيِّم حيث هما من أكبر ممثلي هذا الاتجاه (ص 12).

والإشارة إلى هذا الاتجاه التفسيري ضرورية لكي يستقيم البحث في التأويل من وجهة نظر الصوفية وعلى التعيين من وجهة نظر شيخهم الأكبر ابن عربي.

ويبرِّر الباحث اختيار ابن عربي دون سواه من المتصوفة والفلاسفة لدراسة التأويل بثلاثة أسباب رئيسية:

الأول: أهمية ابن عربي ودوره في تاريخ الفكر الإسلامي.

الثاني: إن دراسة ابن عربي نفسه تثير بشكل واسع معضلة التأويل، كما تنعكس هذه المعضلة في التفسيرات المختلفة والمتعارضة أحياناً التي عرضت لفكر ابن عربي وقيمته.

الثالث: إحساس الباحث المبكر، الذي أكدته الدراسة، أن التأويل عند ابن عربي ليس مجرَّد وسيلة في مواجهة النص، بل هو منهج فلسفي كامل ينتظم الوجود والنص معاً. حين أن ابن عربي يطرح لنا فلسفة في التأويل قد تساعدنا على كشف الجوانب المشابهة في فكر غيره، سواء السابقين عليه أو التالين له.

لقد جرى تقسيم البحث إلى ثلاثة أبواب، والأبواب إلى فصول بحسب اقتضاء الحاجة العلمية.

الباب الثاني خُصِّص للتأويل والإنسان، وذلك من خلال تحليل مستويات ثلاثة في تصور ابن عربي لعلاقة الإنسان بالوجود. الأول، هو علاقة الإنسان بالعالم، أي تحليل جوانب الاختلاف بين الإنسان والعالم من حيث ظاهره الذي يتماثل مع حقائق الكون ويضمُّها في كيانه الصغير.

والثاني، دراسة الجانب الباطن في الإنسان ومماثلته لحقائق الألوهة، من حيث إنه خُلِقَ على الصورة الإلهية وجمع في حقيقته وباطنه حقائق كل الأسماء الإلهية التي توجَّهت على إيجاد العالم.

والثالث، تعرُّض لمعضلة المعرفة الإنسانية وتأكيد ابن عربي على أن المعرفة لا تتم إلا بتجاوز ظاهر الإنسان – وهو ظاهر الكون – إلى باطنه الروحي الإلهي من خلال رحلة خيالية.

الباب الثالث والأخير، مكوَّن من فصول ثلاثة: يهتم الفصل الأول بتحليل العلاقة بين القرآن والوجود، وتماثُل مستويات النص القرآني مع مراتب الوجود الأربعة، وتماثلها مع مراتب العارفين.

والفصل الثاني خُصِّص للُّغة والوجود؛ وفيه محاولة تحليل مفهوم ابن عربي للُّغة في جانبيها الإلهي والإنساني، بدءاً من المستوى الصوتي للغة، وانتهاءً إلى مستوى التركيب. وجرى التركيز في تحليل الجانب الدلالي على تأكيد ابن عربي على ذاتية العلاقة التي بين الدال والمدلول في اللغة في جانبها الإلهي. وهي العلاقة التي لا يكتشفها إلا الصوفي، ومن خلال اكتشافها يرى القرآن في ضوء وجودي أشمل.

وقد كان الفصل الثالث والأخير عن قضايا التأويل وفيه تحليل مفهوم التنزيه والتشبيه، والمُحكَم والمُتَشابه، والجبر والاختيار، والثواب والعقاب. وهي مجرد نماذج لا يمكن الادعاء – بحسب الباحث – أنها تستوفي كل الجوانب التطبيقية لتأويل القرآن في فكر ابن عربي.

*** *** ***


* نصر حامد أبو زيد، فلسفة التأويل: دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي، دار التنوير، بيروت 1993.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود