السَّفَر عِبْرَ الزَّمن 1

 

دلشاد عثمان

 

1. إمكانية السفر عبر الزمن

هل هذه الإمكانية حقيقية فعلاً؟ أم أنها، كما يعتبرها بعضُهم، بدعةٌ لا أساس لها من الواقع، ومَن يتعاطاها ليس سوى ساحر أو مشعوذ؟!

يُعتبَر موضوعُ السفر عبر الزمن من أكثر الموضوعات العلمية إثارةً للانتباه وتشويقًا للمتابعة، حيث إن دُور العرض السينمائي تحقِّق أرباحًا طائلة من عرض فيلم خيال علمي يتحدث عن السفر عبر الزمن. فهل السفر عبر الزمن أمر ممكن؟ هذا ما سأتناوله في هذه الحلقة من مقالي الذي سأحاول فيه أن أشرح الموضوع شرحًا علميًّا مبسطًا، معتمدًا على مراجع علمية موثَّقة سأوردها في آخره.

أصل المفهوم: لا يوجد حتى هذه اللحظة أي اتفاق حول أصل فكرة السفر عبر الزمن. فكل ما هو معروف عن تاريخ الفكرة هي مجموعة من الروايات والقصص، أشهرها مذكرات القرن العشرين[1] التي نُشِرَتْ في العام 1733 للكاتب صموئيل مادن الملقَّب بـ"المجنون"، وهي عبارة عن مجموعة رسائل من السفراء الإنكليز إلى مختلف دول العالم موضوعها الرئيسي المزعوم أوضاع القرن العشرين، وبالتحديد، سنتا 1997-1998.

السفر عبر الزمن بالمفهوم النظري: تناولت بعض النظريات – وأهمها نظرية النسبية الخاصة ونظرية النسبية العامة – هذا الموضوع، مشيرةً إلى أن من الممكن السفر عبر الزمن كالسفر عبر الفضاء سواء بسواء، على أن تتوفر الظروف الملائمة والهندسة الخاصة المناسبة.

من جهة أخرى، نرى بعض الفيزيائيين يتجنبون اعتماد مصطلحات من نحو السفر أو الانتقال عبر الزمن لأنهم يعتبرون أن مصطلح "انتقال" يعبِّر عن حركة جسم ما حركة مكانية، لا زمنية؛ وهم، بدلاً من ذلك، يستعملون مصطلحات كـ"التقوس الزمني" time curving، الذي يتناول مجموعة من معادلات النسبية التي تدور حول تعريف لقيمة مصطلح المكان–الزمن space-time الذي يُقصَد به أن الزمن كالقوس، يستمر في التقوس إلى أن يصل إلى نقطة البداية؛ بمعنى أننا نحتاج إلى طاقة أكثر لكي نغير مكاننا على القوس، أي لكي نتقدم إلى المستقبل أو نعود إلى الماضي.

وبشكل أدق، وبعيدًا عن التعقيد، يُقصَد بالمصطلح انتقالُ الإنسان إلى خارج الكرة الأرضية بسرعة نسبية، أي الانتقال بسرعات عالية قد تؤثر على الزمن في المركبة التي نحن بداخلها فقط، ثم العودة إلى سطح الأرض. هنا قد يتحقق جانب من الأمنية فقط، وهو الانتقال إلى المستقبل، لأن الأرض تكون قد استمرت في مجرى زمنها الطبيعي (قد يساوي يوم فضائي بسرعات نسبية 100 سنة أرضية!). لذا، بحسب نظرية النسبية والعديد من الآراء الفيزيائية، فإن السفر إلى المستقبل واقع ممكن الحدوث؛ أما السفر إلى الماضي فمن الصعب وجود تفسير علميٍّ له.

تعريف نظرية النسبية الخاصة: ظهرت هذه النظرية في العام 1905 على يد ألبرت أينشتاين. وقد عالج فيها نقاط الضعف في نظرية نيوتن في الزمن والمكان، وبالذات ما يتعلق بمسألة الأمواج الكهرطيسية electromagnetic waves، والضوء بصفة خاصة. وما يميزها أنها في معالجتها تهمل تأثيرات الثقالة gravitation التي تناوَلها أينشتاين في نظريته في النسبية العامة بعد عشر سنوات.

النسبية الخاصة والزمن: تناولت نظرية النسبية الخاصة الزمن بشكل خاص، وذلك لتناوُلها مفهوم السرعات الذي يُعتبَر أحد العوامل الحاسمة المؤثرة في الزمن. من هنا يمكن لنا أن نطرح مجموعة من النتائج المتعلقة بالزمن:

1. نسبية التزامن: نعرِّف بها كالتالي: يمكن لأيِّ حدثين متزامنين، يحدثان في الوقت نفسه وفي مكانين منفصلين، ضمن عوامل موحدة من حيث البدء والكم والمادة، أن يكونا غير متزامنين، بل متعاقبان بالنسبة إلى مراقِب في جهة مغايرة. بذا يمكن لعملية القياس التي يجريها مراقِبان في مكانين مختلفين (كالموجودين في الفرضية الأولى) أن تعطي نتائج مغايرة تختلف بينهما.

2. نسبية الزمن: إذا سافر أحد توأمين في مركبة فضائية بسرعة تقارب سرعة الضوء سيتبين له لدى عودته إلى الأرض بعد خمس سنوات، بحسب توقيت ساعته، مرورُ خمسين عامًا بحسب توقيت الأرض، وسيجد أن توأمه قد كبر خمسين عامًا، في حين أن عمره هو لم يزد سوى خمس سنين – مما يعني أن الزمن يتباطأ بتزايد سرعة الجملة المرجعية التي يتم القياس عليها. مثال: إذا افترضنا أن الضوء الصادر عن حدث event معين في نقطة ما من الفضاء ينتشر بسرعته الثابتة x فهذا يعني أنه يغطي كرات تحيط بهذا الحدث، وهذه الكرات تتوسع بزيادة قطرها مع الزمن بحسب سرعة الضوء المنتشر.

وبسبب صعوبة تمثيل فضاء رباعي الأبعاد four-dimensional space، سوف نضطر إلى حذف أحد الأبعاد المكانية، مكتفين ببُعدين مكانيين x, y وبُعد زمني شاقولي t، فتأخذ كرات الضوء المتوسعة شكل دوائر متوسعة مع تقدم الزمن، أي مع الارتفاع على المحور الشاقولي. وبهذا يمثل انتشارُ الضوء المخروطَ المتشكل من الدوائر المتوسعة.

في الحقيقة، يمكن لنا تخيُّل مخروط ضوء لكلِّ حدث: مخروطًا متجهًا نحو الأعلى نسميه "مخروط الضوء المستقبلي" future light cone، ويمثل مجموعة النقاط التي يمكن للضوء أن يصل من الحدث المعني إليها (وهذه النقاط في الفضاء الرباعي الأبعاد تمثِّل لها 4 أرقام هي الإحداثيات المكانية الثلاثة والإحداثي المكاني؛ فهي تحدد النقطة الفراغية عند زمن وصول الضوء إليها). أما خارج المخروط فنجد النقاط التي لا يمكن للضوء أن يصل إليها (هذه النقاط تمثِّل نقاطًا فراغية لزمن يتعذر وصول الضوء خلاله إليها لأنه يستلزم انتشارًا للضوء بسرعة تفوق x، وهو أمر مستحيل بحسب النسبية). أما المخروط المتجه إلى الأسفل فيدعى "مخروط الضوء الماضي" past light cone، ويمثل مجموعة الحوادث التي يمكن أن يصل منها شعاعٌ ضوئي إلى الحدث (في هذه النقطة بعينها واللحظة الزمنية بعينها).

لنفترض وجود حدثين A وB في الجملة المرجعية reference system نفسها وفي المكان نفسه ضمن هذه الجملة، لكن بفاصل زمني بينهما (يشتركان في الموقع المكاني ويختلفان في الإحداثي الزمني time coordinate). كما نفترض وجود حدثين B وC ضمن جملة مرجعية واحدة، بحيث يحدثان آنيًّا (أي في وقت واحد)، لكنهما يقعان في موقعين مختلفين (يشتركان في الإحداثي الزمني ويختلفان في الإحداثيات المكانية).

في الجملة المرجعية الأولى، يمكن لـA أن يسبق B. عندئذٍ يكون A سابقًا لـB في جميع الجمل المرجعية الممكنة. ومن الممكن للمادة أن تنتقل من A إلى B، بحيث نعتبر A سببًا وB نتيجة، فتكون هناك علاقة سببية بين A و B. في الواقع لا وجود لأية جملة مرجعية معروفة تقلب هذا الترتيب السببي.

لكن هذه الحالة لا تنطبق على حالة الحدثين A وC (C يقع خارج المخروط الضوئي لـA، كما هو واضح)، حيث توجد جُمَل مرجعية ترى حدوث A قبل C وجُمَل مرجعية أخرى ترى حدوث C قبل A. لكن هذا، بكل الأحوال، لا يكسر قانون السببية causality لأن من المستحيل نقل المعلومات بين A وC أو بين C وA، كون هذا يستدعي وجود سرعة أكبر من سرعة الضوء. في عبارة أخرى، يمكن لبعض الجمل المرجعية أن ترى الأحداث وفق ترتيب مختلف، لكن لا يمكن لهذه الجمل أن تتواصل فيما بينها لأنها تحتاج إلى إشارات أسرع من الضوء. وهكذا يحفظ مبدأُ ثبات سرعة الضوء في النسبية قانونَ السببية ويحمينا من مفارقات العودة في الزمن إلى الماضي.

نظرية النسبية العامة وتناوُلها للزمن: تُعتبَر نظرية النسبية العامة من أكثر النظريات الكونية إثارةً للجدل حول السرعات وتأثيرها على الزمن والوقت. وسأحاول سرد ما هو ضروري من هذه النظرية لفهم موضوعنا.

1. تعريف نظرية النسبية العامة: نظرية وضعها أينشتاين في العام 1915، وشكَّلت طفرة علمية غير مسبوقة، حيث أضافت إلى الأبعاد الفيزيائية المعروفة (الأبعاد الثلاثة) بُعدًا رابعًا وعرَّفتْه بالزمن، حيث أصبحت الأبعاد كالتالي: x, y, z, t، حيث ترمز x, y, z إلى الإحداثيات المكانية ويرمز t إلى الإحداثي الزمني.

2. النسبية العامة والزمن: تقول النسبية العامة بأن من الممكن للفضاء أن يتقعر في حال وُجِدَتْ مادة، بمعنى أن الخطوط المستقيمة تتشوه بوجود كتلة. كما أثبتت نظرية النسبية العامة تنبؤ أينشتاين بتباعد نجمين ظاهريًّا في فترة كسوف الشمس، حيث اعتبرت أن ذلك يعود إلى تشوُّه مسار الضوء القادم من النجمين بسبب مرورهما بالقرب من الشمس – ذلك الجسم ذي الكتلة الكبيرة نسبيًّا –، وبالتالي تقوس خط سير الضوء القادم من النجمين.

أساس النظرية قائم على تفسير الجاذبية على أنها تشوُّه في المكان–الزمان تُحدِثُه الكتلةُ في الفضاء المحيط بها. وهنا نستطيع أن نستنتج بأن دوران أي جسم حول الأرض هو سير بشكل مستقيم بالنسبة إلى الجسم على الخط المحيطي (الجيوديسي geodesic) للزمكان المحيط بالأرض. بالمثل، يسير الإنسان سيرًا مستقيمًا على الأرض فوق أيِّ خط طول، حيث بدايته ونهايته واحدة، مع أنه يسير سيرًا مستقيمًا. على هذا الأساس، فإن وجود المادة يحدِّد هندسة الزمكان (الزمان + المكان = الزمكان). وبالتالي، يعني الزمكان ذلك الفضاء الرباعي الأبعاد الذي تتعيَّن كل نقطة فيه برباعية إحداثية x, y, z, t، حيث ترمز x, y, z إلى الإحداثيات المكانية ويرمز t إلى الإحداثي الزمني.

افتراض لشكل ثنائي البُعد للزمكان بوجود كتلة، مما يؤدي إلى تقعُّر سطح الفضاء (الجاذبية).

وسائل السفر عبر الزمن: وضع عدد من العلماء تصوراتٍ مختلفةً عن تصميم آلة لعبور الزمن، لكني سأحاول سرد التصور الأكثر إقناعًا.

وضع كيپ ثورن تصميمًا لآلة للسفر عبر الزمن تعتمد على إيجاد ثقب دودي worm hole ميكروسكوپي في معمل، وذلك من خلال تفجير ذرةٍ ما داخل معجِّل للقُسيمات cyclotron، يليه التأثير على الثقب الناتج بواسطة نبضات من الطاقة لفترة مناسبة من الزمن، يتم بعدها البدءُ بخطوة تشكيلية بواسطة شحنات كهربائية تؤدي إلى تحديد مخرج للثقب ومدخل له، ثم تكبيره تكبيرًا مناسبًا بحيث يتسع لرائد فضاء، وذلك عن طريق إضافة طاقة سلبية ينتجها أي منتج للنبضات (كالليزر مثلاً).

أما أينشتاين، فقد وضع تصورًا لجهاز يجعل سرعة الإلكترونات في المادة المراد نقلها تصل إلى ثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية (300000 كم/ثا)، أي سرعة الضوء. عند ذاك سيتوقف الزمن، وسيُرسَل الجسمُ إلى المستقبل. كما أنه افترض أنه إذا كانت سرعة الإلكترونات تتجاوز سرعة 300000 كم/ثا فسيُرسَل الجسمُ إلى الماضي.

أخيرًا، لا يمكن لي إلا أن أعتبر السفر عبر الزمن فرضية ممكنة التحقيق، وذلك لقيام الإنسان بتجربة أثبتت بأن الانتقال الآني ممكن ضمن القوانين الفيزيائية الكونية، حيث قامت بنقل مادة من شكلها المادي إلى شكل بياني وإرسالها إلى مكان آخر، ومن بعدُ فك رموزها وتحويلها من شكلها البياني إلى شكلها المادي من جديد. وهذا سيكون موضوع الحلقة الثانية من المقال.

*** *** ***

 

مراجع

-          Davies, Paul, Other Worlds

-          Greene, Brian, The Elegant Universe: Superstrings Theory and the Quest for the Ultimate Hidden Dimensions

-          Hawking, Stephen, A Brief History of Time


[1] Samuel Maden, Memoirs of the Twentieth Century.

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود