ندوة البريستول في "يوم الفلسفة العالمي"
نظرة على التراث لم تلتفت إلى المستقبل

 

صفوان حيدر

 

بمناسبة "يوم الفلسفة العالمي"، وبإشراف اليونسكو، أقيمت بعد ظهر [يوم 17/11/2006] في فندق البريستول [ببيروت] ندوةٌ بعنوان "في الفلسفة والتصوف"، جرى افتتاحُها بورقة ترحيبية قرأتْها السيدة سلوى السنيورة بعاصيري، أوضحت فيها أن الندوة تسعى إلى التأكيد على أن احترام التنوع الثقافي الفكري ليس صفة ساكنة، بل هو علاقة تفاعلية وتبادلية. ثم ألقى وزير الثقافة طارق متري كلمةً في المناسبة رأى فيها أن الفلسفة لغة كونية تحرِّرنا من أسْر خصوصياتنا من غير جدران حولها؛ والتفكر الفلسفي يسهم في إخراجنا من قيود الاستغراق في الخصوصيات. أما التصوف فيجيب عن حالة روحية؛ من هنا فإن الاهتمام بالتصوف ليس انتكاسة ولا عودة إلى اللاعقلانية، بل يجيب عن حقيقة أبعد في نفوسنا.

المحور الأول

بدأت أعمال المحور الأول للندوة برئاسة رضوان السيد الذي اعتبر أن ما يجمع الفلسفة والتصوف هو الرؤية للعالم والوعي بالعالم وما يترتب على ذلك من موقف منه وسلوك فيه. لكن الاختلاف بين الفلسفة والتصوف يأتي من أمرين: مصادر المعرفة والإدراك، من جهة، والتقنيات التي تترتب على تلك المصادر والتي تحدَّث عنها وضاح نصر. من جهته، أوضح وضاح نصر، من خلال بيانات مصورة على الكومپيوتر، المسائل المتعلقة بدور الفلسفة في عملية التعلم ودور التربية الأخلاقية السياسية وإشكالية تطبيق الرؤية الفلسفية على الواقع. وركَّز نصر على النموذج الكنطي في هذا المجال. واستنتج نصر، في خلاصة لهذا العرض، أنه ليس من السذاجة أو الإفراط في الطوباوية القول إن لا حلَّ لمشكلات الإنسان ولمعاناته دون رؤية فلسفية أخلاقية واضحة تعمل على تغيير الحاضر في سبيل مستقبل أفضل. وختم نصر ورقته بسؤال "ما العمل؟"، معتبرًا أن الانتظار أو الترقب والحيرة والخوف ليست مواقف مطلوبة، بل المطلوب امتلاك الجرأة في محاسبة الذات، وإذا اقتضى الأمر، الخروج عن السرب.

ورقتا الحكيم والكك

من الندوة: (من اليمين إلى اليسار) نصر، السيد، بعاصيري، متري، الحكيم، الكك (ت: حسن عبد الله)

ثم ألقت سعاد الحكيم "مقاربة صوفية بين الفكر والحياة" جعلتْها على خمسة أقسام:

1.     القول والفعل

2.     التجربة الصوفية وإنتاج المفاهيم

3.     الإلهام المعرفي

4.     من الحياة إلى الفكر ومن الفكر إلى الحياة

5.     من الفكر إلى الفهم

ركزت الحكيم في القسمين الرابع والخامس من محاضرتها على دور الغزالي وابن عربي في هذا المجال. ورأت الحكيم أن الغزالي حافظ على المنطق الأرسطي، فسكت عن علم المكاشفة، فجاء تراثُه "برهانيًّا" بالمعنى الإسلامي. أما محيي الدين بن عربي، فآثر الكلام في "المكاشفات"، وبالتالي تجاوَز المنطق الأرسطي. وتكلم ابن عربي صراحةً في وجوب استبدال الفهم بالفكر. ولقد وسَّع ابن عربي مجال المعرفة الإنساني إلى عالم الغيب، وفعَّل نشاط الفهم وكَسَرَ المنطق الأرسطي في مجال الإلهيات.

تلتْها دراسةُ ڤكتور الكك التي ركزت على "حكمة الإشراق" التي أحياها الفيلسوف المتصوف السهروردي المقتول، إضافة إلى أمة الفرس وقدماء اليونان وأئمة الهند وبابل ومصر. ورأى الكك أن حكمة الإشراق تجمع بين التوجه البحثي الفلسفي وبين المشاهدة الصوفية العرفانية. كما رأى الكك أن هذا التكامل بين الفلسفة والتصوف وامتزاجهما في الحكمة الإشراقية أو في "الحكمة المتألِّهة" هو الخط الذي نراه إنسانيًّا، لأنه يجمع طاقات الإنسان جميعًا.

المحور الثاني

بعد استراحة قصيرة، أدارت بعاصيري المحور الثاني من الندوة بسبب اعتذار المطران جورج خضر عن الحضور، فألقى سامي مكارم مداخلة بعنوان: "قبول الآخر: مقاربة صوفية"، ركز فيها مكارم على تعريف التصوف وعلاقته بالسعي لإقامة الدولة الفاضلة. ثم تناول نظرة المتصوف إلى الله، ونظرة المتصوف إلى علاقة الخلق بالحق، ونظرته إلى الحب وإلى الأنا في مقابل الأنت، وأخيرًا علاقة التصوف بغيره من الحقول المعرفية.

أما أديب صعب فرأى في ورقة بعنوان "قبول الآخر: بين الاسم والجوهر"[1] أن الآخر، بمعنًى من المعاني، هو كل مَن ليس نحن؛ ولكن الآخر، بمعنى أعمق، هو كل مَن ليس أنا. أما قبولي الناضج للآخر فيعني رعاية حقوقه، وفي رأسها حريته وكرامته وحقُّه في الاختلاف، وإن كان ينتمي اسميًّا إلى كلِّ الجماعات التي أنتمي إليها، كما يعني قبولي إدراكي، في الوقت نفسه، أن ثمة هوية واحدة بين البشر، على اختلافاتهم كلِّها، بحكم كونهم بشرًا، في إطار التنوع ضمن الوحدة والوحدة ضمن التنوع.

وفي ختام الندوة، قدم جيرار جهامي ورقته التي رأى فيها أنه ستتكون لدينا قناعة راسخة بضرورة قبول الآخر، وإنْ كذَّبَنا الواقعُ مرارًا وهو يطوِّع قيمنا تطويعًا معاكسًا لقناعتنا. إذ نشهد سيطرة العصبية والتصلب وطغيان لغة العنف. والحل ليس بسيطًا إذا شئنا قلب هذا الواقع. ولن يتحقق ما نصبو إليه إلا إذا هيأنا الوسائل الكفيلة ببلورة فلسفة التسامح ومارسنا فعلها يوميًّا.

ظهر في أعمال محورَي هذه الندوة سقوطها في أجواء التجريد الترفي وفي الخطاب اللاهوتي والتبشيري. وإذا كانت الندوة "في الفلسفة والتصوف" تشفع لها لاهوتيتُها، فإنها لم تتناول علاقة التصوف بالحداثة الفلسفية التي نعيشها اليوم، بل بمرحلة ما بعد الحداثة الفلسفية التي يعيشها الغرب؛ بل لقد غاصت أعمال الندوة في كتب التراث الصوفي الذي أصبح في حاجة إلى إعادة قراءة نقدية وتجديدية تتوافق مع تحديات التصوف المعاصر والحديث، سواء في مجال الفكر الفلسفي أم في مجالات الثقافة، بأنشطتها الأدبية والفنية والفكرية المعاصرة.

*** *** ***

عن السفير، 18/11/2006


[1] للاطلاع على نص محاضرة د. صعب، راجع: معابر، كانون الثاني 2007، باب "قيم خالدة".

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود