وجهًا لوجه مع الفكر الأصولي لخالد غزال
نحو الديموقراطية والإصلاح الديني

صفوان حيدر

 

لا يتقدم بناء أي مشروع نهضوي حقيقي في معزل عن بناء ثقافة الديموقراطية المتنوعة والمتعددة ونشرها. وهو أمر تقف في وجهه اليوم ثقافة مضادة وسائدة في نطاق عالمي واسع تتغذى من الفكر الأصولي بصيغه الدينية (اليهودية - الصهيونية، وفي البروتستنتية، وفي الجهادية الكاثوليكية، والأرثوذكسية، والإسلامية التي تعتبر أن دين الإسلام يقدم الحلول لمشاكل البشرية جمعاء على صعيد النص القرآني مثلما تفهمه الأصوليتان السنية والشيعية). كما يتناول هذا الكتاب بالشرح والتحليل الصيغ غير الدينية للأصولية، في الفاشية والنازية على صعيد التفوق العرقي ومفهوم الزعيم-الإله والدولة التوتاليتارية والدين الفاشي. كما يعالج سمات الأصولية الشيوعية التي ترى الخلاصة في طبقة البروليتاريا على صعيد الثورة والحزب وعبادة الشخصية. وينتقد الكتاب العلمانية الصلبة التي تدعو إلى هيمنة الدولة على الدين متناولاً التجربة الأتاتوركية والبورقيبية، ليصل الكتاب إلى قراءة نقدية للأصولية العلمية - خلاص البشرية عبر العلم - مميزًا بين الضرورة والانحراف.

المشاريع السياسية

قد لا تشكل الأفكار الأصولية في ذاتها خطًا كبيرًا إذا ما بقيت في ميدانها النظري، لكنها تتحول إلى قوة مادية مهددة للمجتمع عندما تنجذب إلى مشاريع سياسية وتأخذ على عاتقها انقاذ المجتمع وفق الرؤية التي تستند إليها. إذ تحمل الأصوليات هذه، في معظمها، مشاريع سياسية تهدف إلى قولبة المجتمع بدءًا من الفرد وصولاً إلى المجموع، رافضة الخيار الديموقراطي في الحوار والتفاعل الفكري-التبادلي، بل تسعى إلى تكريس وحدانية السلطة، وإلى نبذ الآخر واستبعاد التعددية-المتنوعة في مختلف أشكالها. هكذا، تبدو مشاريع هذه الأصوليات مفعمة بالتعصب، يهيمن على فكرها جمود عقائدي يمنع التواصل والتفاعل والاحتكام إلى العقل وحق الآخر في التعبير، وصولاً إلى تكفير وتخوين من لا يتوافق مع طروحاتها.

ديموقراطية وإصلاح

لقد تسببت الأفكار التي حملتها هذه الأصوليات، عندما توفر لها الامساك بسلطة ما، في اعتماد العنف وسيلة لتحقيق مشاريعها وأهدافها. في هذا المجال، لا تقرأ الحروب العالمية والاقليمية والأهلية في معزل عن هذه الأفكار والمفاهيم الأصولية التي حركت وتحرك السلطات الحاكمة وحددت لها مساراتها، وهي حروب أدت إلى تدمير المجتمعات عالميًا وإلى تمزيق أنسجتها الاجتماعية في كل بلد على حدة. من هنا، يساهم هذا الكتاب في تسليط النقد على "الهوية الفكرية" لهذه الأصوليات، ويهدف إلى تعيين مداخل مناقضة لها، تساهم في السجال الدائر اليوم حول كيفية تجاوز المجتمعات العربية لتخلفها ولعجزها عن الدخول في العصر، وهو ما يستوجب بنى ومشاريع نهضوية جديدة تفيد من سلبيات الماضي وتكون منفتحة على الحداثة بكل مكوناتها.

ترتهن هذه المشاريع إلى شرطين أساسيين: الأول تحقيق الاصلاح السياسي على قاعدة اعتماد الديموقراطية والثاني ضرورة الاصلاح الديني، وهو موضوع يستوجبه نمط السلوك الذي تفرضه علينا الأنظمة اللاهوتية للأديان التوحيدية لجهة قراءة النصوص المقدسة. كما يتطلب قراءة تاريخية للنصوص وتبيان ما هو راهن منها يمكن الإفادة منه، وما تقادم في الزمن فيتم تجاوزه.

مضمون الكتاب

يضم الكتاب أربعة فصول:

الفصل الأول: المشترك بين الأصوليات الدينية وغير الدينية. ويتناول الفصل الثاني الأصوليات غير الدينية والدور الذي لعبته في التاريخ البشري الحديث، حيث لا يزال أثر هذا الدور متواصلاً في شتى الميادين. أما الفصل الثالث فيسلط الأضواء على الأصوليات الدينية. لكن الأفكار الأصولية لا تقتصر على اليهودية-الصهيونية والمسيحية والإسلام، بل تتعداها إلى سائر الأديان غير التوحيدية، فالبوذية والهندوسية والكونفوشية والزرادشتية يتخللها نزوع أصولي يعتبر كل دين من هذه الأديان يحمل وحده الحقيقة المطلقة وأن مؤمنيه هم الفئة المصطفاه والمتميزة عن غيرها من سائر الأديان الأخرى.

ويتضمّن الفصل الرابع قراءات في فكر عدد من المفكرين والفلاسفة الذين صبت طروحاتهم في مقارعة الفكر الأصولي منذ بداية التاريخ الإسلامي حتى اليوم. لكن وللأسف، جاء الاختيار في الكتاب مقتصرًا على المجتمع العربي الإسلامي، وأهمل الكتاب قراءة أعمال المكافحين ضد الأصولية اليهودية والمسيحية. وقد يكون التركيز على المفكّرين العرب والمسلمين متصلاً بالدور السلبي الذي تلعبه الأصولية الإسلامية اليوم في مجتمعاتنا. فمن الزمن الإسلامي الأول، جرى اختيار المعتزلة كفرقة كانت لها قراءة خاصة للنص القرآني-الديني. كما جرى اختيار كل من ابن خلدون وابن رشد وابن باجه بالنظر إلى ما تميزوا به في تقديم فلسفة تتناقض مع الفكر الأصولي-الإسلامي في الطرح والاستنتاج. وفي عصر النهضة العربية-الإسلامية جرى اختيار كل من الشيخ علي عبد الرازق وطه حسين ومعروف الرصافي ومحمد أحمد خلف الله. أما من المحدثين فقد جرى اختيار ثلاثة هم: نصر حامد أبو زيد، محمد أركون، وعبد المجيد الشرقي.

لا شك في أن الجهد الثقافي التحليلي والتوثيقي الشارح والملاحظ الذي بذله خالد غزال هو جهد كبير ومشكور. لكن غزال يستدرك مشيرًا في مقدمة الكتاب إلى

أن الغوص إلى قلب الأصوليات بفكرها وممارساتها وتطلعاتها المستقبلية موضوع شائك ومعقد وواسع جدًا. فما جرى تقديمه في هذا الكتاب ليس سوى محاولة في مواجهة ايديولوجيات حكمت وتتحكم اليوم بحياتنا الفردية وبمجتمعاتنا وتسعى إلى فرض نمط محدد من السلوك على الإنسان العربي يتلاءم مع طروحاتها.

ويختتم غزال استدراكه باعتذارية لطيفة تقول

هذه المحاولة تحوي بالتأكيد الكثير من النواقص والثغرات لأن الموضوع الذي تقاربه يحتاج إلى مجلدات في الشروح والبحث حتى يمكن الإلمام به في شكل فعلي.

*** *** ***

السفير

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 إضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود