أدعو الكتابة إلى وليمة الخلاص[*]

أنسـي الحـاج

 

أيُّها الكرام،

الجواب، أمام دعوة إلى مؤتمر حول "قصيدة النثر"، الجواب الفوري، هو: لماذا، وقد انتقلنا إلى الجهة الأخرى من المرآة؟!...

لكن الجواب واهمٌ، على الرغم من أنه صادق. صادقٌ كما هو صادق كلُّ مأخوذ بعالمه الداخلي: فهو يغوص، حتى يقطع صلته، أو يكاد، بالعناصر الخارجية. وفجأةً يكتشف أنه هو قطع، انتقل إلى الضفة الأخرى، ضفة الكينونة الصافية المأخوذة بشروطها، لكن الأرض الخارجية، أرض الواقع والسوابق، أرض الأقدام التي على الأرض، لم تنسَ، وأنها تنتظره، تنتظر وقتَها لتُسائِلَه، لتفحصه، لتعود وتسأله: مَن أنت؟

أنا، تجيب قصيدة النثر، مخلوق دخيل أراد أن ينتزع وجوده بالقوة، لألف سبب شكليٍّ ومعنوي. أنا، تتابع قصيدة النثر، أعترف بالوزن، لكنه هو لا يعترف بي. أنا، تقول أيضًا، ليس همِّي مباراة الإنشاء، بل أن أكون على صورة خالقيَّ ومثالهم، متمرِّدة وصارمة، حرَّة ومسيَّجة، متنوِّعة حتى التناقض، إيقاعية وفالتة، متوتِّرة ومنفرجة، غنائية وناشفة، وقائلة ما لا تقوله الأوزان.

وتمضي قصيدة النثر قائلة للباحثين فيها: ظننتُ أن مسألة البحث في أمري حُسِمَت، وها هي ذي تعود إلى التداول. كنتُ واهمة، وكنتم على حق. فأنا المخلوق الدخيل سأظل، مهما أجلستموني بين أنواعكم الأدبية، مخلوقًا دخيلاً، أو في أحسن الأحوال، مخلوقًا مقبولاً على مضض. يبدو أن هذا هو جزء من هويتي، بل من قَدَري. لأني بنت التمرد: لا التمرد على الأوزان فحسب، بل التمرد أيضًا على أوزان القضاء والقَدَر. فأنا، قصيدةَ النثر الصغيرة الدخيلة، عشبةٌ هوجاء لم يزرعها بستانيُّ القصر ولا ربَّة المنزل، بل طلعتْ من بركان أسود هو رحم الرفض. وأنا العشبة الهوجاء، مهما اقتلعوني، سأعود أنبت، ومهما شذَّبوني، لن أدخل حديقة الطاعة، وسأظل عطاءً ورفضًا، جليسةً أنيسةً وضيفًا ثقيلاً، لأني ولدتُ من التمرد – والتمرد، التمرد الفردي، الأدبي والأخلاقي، على عكس الثورة، لا يستكين ولا يستقيل حين يصل إلى السلطة.

على افتراض أنه يصل. ولكنه لا يصل.

لأن السلطة التي يصل إليها التمرد هي سلطة التمرد. ولا علاقة لها بتلك السلطات. فهي كوكب للحرية، للحرية المتجاوزة على الدوام نفسَها حتى الاستهتار بالذات.

وهل كثير، بين هذه المجرَّات المنتظمة بثباتها ودقتها ورتابتها وصلادتها، مجرات النظام والتشابه والتراتبية العسكرية – هل كثيرٌ أن ينفرد كوكبٌ صغير بالانحراف عن المسارات، ويغرِّد خارج السرب، ولا يعبأ بزمجرة الحكَّام، واستنكار الآباء، ولعنات الدهور؟!

* * *

والآن، إلى شيء من التأكيد.

أيها الأحباء،

طويناها صفحةً من عهد الكتابة. طوينا صفحة الغرفة الممنوعة وفتحنا الغرفة الممنوعة. بالاستحقاق والاغتصاب، لا بأس. بالسلاسة وبالوحشية، لا بأس. بالهمس والفضيحة، لا بأس. بالنعمة والانقضاض، لا بأس. لا شيء كان سيتم بسلام. كانت حربًا. ولولاها لما دخلنا تلك المساحة الحديثة، ذلك المجهول المتلاطم الاحتمالات. ارتكبناها خطيئةً كُتِبَتْ علينا. خطيئة تجاوُز الخطوط الحمراء – خطوط الشكل واللغة والفكر والمعتقَد والذوق والمحرَّم والمقدَّس. طويناها صفحة. صفحة بمئات السنين. وما أتينا به أردنا ولم نُرد له أن يلغي شيئًا. فنحن، في صميم مجيئنا، مأخوذون أيضًا بأسرار وكنوز من الماضي. ومع هذا، نحن "تقليديون": تقليديو الفنون المرذولة والعلوم السوداء، تقليديو السحر، والآن تقليديون خوارج من عائلةٍ ماضيها حاضرٌ وحاضرُها مجهول.

وكما قلنا، لا ندَّعي إلغاءً للوزن ولا للقافية، بل نحن من عشَّاق الأغاني، كثيرًا ما نفضِّلها على كتاباتنا. فكيف ندعو إلى "إلغاء" وحملتُنا كلها حملةُ غرسٍ وإيجادٍ وإكثارِ حياة؟! ليكتب كلٌّ على هواه، ولينقل الهواء ما يحلو له نقله. لقد أردنا مكانًا لِمَا لم يكن له مكان، أردنا جسدًا لإيقاع لا يضطرب به روحُ النثر العربي فحسب، بل يضطرب به روحُ الشاعر العربي، ولا يريد سكبه في الأُطُر القديمة، بل يتطلَّع إلى شكل أكثر ملاءمة لمناخه، أقلَّ عسفًا حيال فكره وشعوره، أكثر قربًا من أصواته الخارجية والداخلية، أقلَّ تفريطًا بحذافير تجربته، أكثر استيعابًا لحوادث لحظته وأوزان كيانه. لو لم تُرِدْ قصيدةُ النثر التعايشَ مع قصيدة الوزن لما سُمِّيت قصيدة نثر، بل لزعمت لنفسها تسمية "قصيدة"، قصيدة فقط، بلا تمييز.

قال بعض النقاد إن ثمة قصائد نثر تنطوي على إيقاعات واضحة يمكن استخراج أوزان منها تضاف إلى الأوزان المعروفة. وهي نظرية وجيهة. وليُسمَح لنا بأن نضيف إليها فنقول: أيًّا تكن الأوزان التي قد يستخلصها علماءُ الغد من قصائد النثر، نرجو أن لا تكون حدودًا ولا قيودًا، ونؤمن إيمانًا راسخًا بأن إيقاعاتٍ جديدةً ستظل تطل في تجارب جديدة، ومعها احتمال أوزان جديدة. وهذا هو الهدف من بحر النثر: أن يكون بلا حدود ولا نهاية، وأن يظل "حقل الحقول" الذي كلما وطئتْه قدمٌ أحسَّت أنها تمشي على غابة عذراء.

* * *

عهدَ الفظاظة كنتُ سأقول: عقابٌ لقصيدة النثر أن يؤويها مؤتمرٌ في جامعة. وكان سيكون ذلك كاذبًا. اليوم أقول: لا ضير عليها من ذلك. وسيكون ذلك أيضًا كاذبًا. الكذبة الأولى استفزاز، والثانية مجاملة. وتظل الحقيقة، مع هذا، خارج الكذبتين.

ومع الشكر للَّذين نظَّموا هذه الحلقة الدراسية، أعتقد أن المبرِّر الأكبر لمؤتمر كهذا هو أن يكون انطلاقةً نحو أبحاث نقدية وتقييمية لما أنتجه هذا النوعُ منذ تأسيسه قبل نحو نصف قرن. الحاجة ماسة إلى النقد: حاجة القارئ – وهو ضائع وزاهد –، وحاجة الشاعر – وهو الضائع والمضيِّع. لم تصبح قصيدة النثر العربية، كالمعلَّقات، وثيقةً للتاريخ حتى نستريح من قراءتها أو من كتابتها ولا تعود صالحة إلاَّ للمراجعة الأكاديمية. ولم تُقرأ بعدُ كفايةً، لا بعين الفضول ولا بعقل التمحيص. مَن هم شعراؤها؟ ما هي أنواعها؟ أين هي جذورها الظاهرة والخفية؟ ما هو مستقبلها؟ ما هي الاحتمالات بعدها؟

الحاجة إلى النقد هي اليوم أشدُّ الحاجات الأدبية إلحاحًا. وإنْ كنَّا نعتقد مع المعتقدين أن الشعراء هم أنبه النقاد، ويظل أكبر مثال على ذلك بودلير. فلا يُعفي هذا النقَّادَ النقَّاد من مسؤوليتهم. كان بودلير الناقد شاعرًا معلنًا، ولكن كم من ناقد معلَن هو شاعر سرِّي.

وإني أرجو لهذا المؤتمر أن يكون مناسبة ليقوم المشاركون فيه – وكذلك غير المشاركين من كبار الشعراء والدارسين – بعملية إعادة نظر تكون هذه المرة إعادة نظر لقصيدة النثر في ذاتها من الداخل. وقد كان معظم النظر النقدي إليها في السابق هو من خارجها أو من ضفاف مخضرمة.

* * *

ليُسمَح لي الآن، وقد ازدحمتْ في رأسي خواطر كثيرة عن موضوعنا الليلة، أن أكتفي ببعضها، وسأورده على سجيِّته، دون ضبط تسلسلي:

قصيدة النثر شغلُ وِحدة. شغل مَن يدرك أو يشعر أن هذا الذي يكتبه ليس موجَّهًا إلى جمهور معروف، بل إلى شخص واحد ربما، وأحيانا إلى مجهول. رسالة في زجاجة يتقاذفها الموج. موجَّهة إلى مجهول مرغوبٌ الوصول إليه رغبةً حارَّة، ولكنه قد يظل، بل على الأرجح سيظل، "مجهولاً"، ولو عُلِم.

قصيدة تكسر عزلتها ما إنْ تنكتب كلمتُها الأولى، ولكنها العزلة الخارجة من ظلام واضح إلى وضوح مبهم. الكاتب هنا قانع بزاويته الصغيرة، لا يمد ذراعيه أبعد من أفياء سطوره. هو يعرف أنه ليس مطربًا، ويعرف أنه يقف على رصيف الذاكرة. هذا المصير الفقير هو الذي اختاره حين اغترب عن الأوزان المباركة والقوافي السعيدة وهبط ذلك الهبوط المدوِّي خارج النعيم، منقذفًا على خطايا نثره من جيل إلى جيل، تجرِّحه عظامُه وعروقُه قبل أن تجرِّحه صخورُ الآخرين وجبالُهم، فيما هو يسبح بين الأجرام، تتشلَّعه التياراتُ كما تتشلَّع كلَّ مَن يخرج على مدار الجاذبية.

* * *

في أساس قصيدة النثر، فضلاً عمَّا قيل ويقال، بديهية نكاد ننساها. وهي، بكلِّ بساطة، حبُّ النثر. ما يجده الناظمُ في الوزن أجده في النثر. موسيقى الأوزان تُناسبه، موسيقى النثر تُناسبني. الامتحان الذي يَخضعُ له في تطويع الوزن، أخضعُ له في تطويع النثر. استنباط الإيقاع من النثر هو أشبه بتحويل المعدن الرخيص إلى ذهب. ليس هذا فحسب، بل الكتابة كلها هي هذه العملية الخيميائية، ولا قيمة لها إلا بمقدارها، وبمقدار تحدِّيها شبه اليائس لاستحالة النجاح في هذه العملية. ليس هذا فحسب، بل الفكر، مجرد الفكر في مجرد الرأس، إنْ لم يكن توقًا – بكلِّ جِدِّية التوق ومأسويته – إلى تحقيق تلك العملية الخيميائية السحرية التي تشتقُّ الشيءَ من خصمه، والنبلَ من الوحل، والوجودَ من العدم، والجمالَ من الغياب، فأي معنًى له ولصاحبه؟

فلنعد إلى الخواطر حول قصيدة النثر.

إن الطاقة التي ولَّدت قصيدة النثر في أواخر الخمسينيات/مطلع الستينيات من القرن الماضي وحملتْها كالإعصار مفجِّرةً في وجهها حربًا هي الأخرى أشد من الإعصار، تلك الطاقة وازتْها طاقةٌ لا تقل زخمًا في إرادة بناء عضويٍّ لقصيدة النثر وهندسة لكياناتها يحميانها من الذوبان في نهر الانحلال أو من التساقط تحت خيول الانفلات.

إن أية قصيدة هي كيان متوهِّج قائم بذاته. وقصيدة النثر لا تشذُّ عن هذا الوصف. لكنْ يجب الإقرار بأن اللحظات الشعرية ليست متساوية، وقد تبتعد قصيدةٌ عن مفهوم الكيان المتكامل السيِّد وتقترب أخرى، وتستوفي قصيدةٌ الشروطَ جميعًا وتنحرف أخرى. وإذا كان في هذا الانحراف وَهَنٌ فليس بعارض قاتل ولا بخطيئة مميتة إنْ توافرتْ صفاتٌ شعرية أخرى تُغرِقُ الفجوةَ التقنية أو الشائبةَ العضوية بفيض من الدفق الشعوري أو الجمالي أو ما لا يحصى من ميزات الفيض.

ويؤخذ علينا، أنا وسواي من المؤسِّسين، أننا حدَّدنا شروطًا ومواصفاتٍ لقصيدة النثر، عُدنا، أنا وسواي، وخرقنا العديد منها. من ذلك حجم القصيدة: قلنا بالقصيرة، ثم اكتشفنا بالممارسة أنْ لا ضير في الطويلة، حتى لو تنافرت، حين تدعوها تجربتُها إلى الإفاضة، أو حين يجرفها سيلُها فيمنعها من الانحصار في ساقية تحت طائلة التشويه. وغيرها قليل، خيانات ارتكبناها، أنا وسواي، ولكنها خيانات من نوع الشذوذ المثبِّت للقاعدة، بل من نوع توسيع الحدود. لم نفرِّط في مفاهيم القصيدة، بل طوَّرناها وجعلناها أرحب مما أريدَ لها في القرن التاسع عشر الأوروبي والأميركي يوم كانت مجرَّد رفيقة صغيرة فقيرة لصاحبة الجلالة قصيدة الوزن.

فالشعر يبتدع أصولَه كما يبتدع السائرُ ظلالَه. يتلوَّن ويتجدَّد كما يتلوَّن الإغراءُ ويتجدد. لم يخطئ العرب في تسمية روح الشعر بـ"الشيطان". شيطان الشعر هو إكسير المفاجأة. شيطان هائم في الطهارة والنقاء كما هو هائم في الرذيلة والتهتُّك، ودومًا فمُه مضرَّج بماء التفاحات، ينهش فيها ويثمر أطيب منها، وعند قدميه المصابيح، وعلى خطاه المعرفة، معرفة الأطفال، المعرفة التي تتقدم الحياة، وتسخر من ذاتها، وتصنع الحياة والخيال والرغبة والجمال، ولا تدَّعي أنها عارفة، بل تتجلَّى كالظهورات وتكون في أول المفاجَأين بذاتها، تلسع وتمطر وتُشعل وتؤنس وتلعب. والشعراء لا يتبعهم أحد، ولا حتى ظلهم، لأنهم أرواح ترفرف على وجه الحياة وأمام عيون الأبرياء وجرحى الوجود وأحلام الصبايا، مثلما قديمًا قيل إن روح الله في البدء، قبيل النور، كان "يرفرف على وجه المياه" [سفر التكوين].

* * *

خاطرة أخرى: من الحقِّ أن يُسأل شاعرُ النثر لماذا لم يكتب نَظْمًا؟ عن عجز أم عن رغبة في التنويع؟ والأجوبة باتت معروفة. ولكن لماذا لا نسأل إنْ لم يكن هناك وراء اختيار النثر كيانًا شعريًّا نقصٌ ما في قدرة الأوزان على ملاقاة ما يريد الشاعرُ قولَه – ملاقاته بأمانة ورحابة، بطواعية وتناغُم، بعدما فتحت أطوارُ الحياة الحديثة أبوابَ الانقلابات والاحتمالات على مصاريعها، وحتى تلك الأشد عجبًا والأكثر استدعاءً لا لأساليب تعبيرية جديدة فحسب، بل للغة جديدة؟

لا عِبرة في القول إن كثيرين من أدعياء الشعر يختبئون وراء مسمَّى "قصيدة النثر" أو "الشعر المُرسَل" لصفِّ الكلام وطلاء العقم، تارة بالفراغ المنقَّط وطورًا بإنشائيات سقيمة تعمِّق الهوَّة بين القارئ والشعر، والشعر منها براء والقارئ فيها مظلوم. لا عِبرة في مثل هذا القول. فهو صحيح، كما هو صحيح القول إن كثيرين من أدعياء الشعر اختبئوا ويختبئون وراء مسمَّى قصيدة الوزن أو الشعر العمودي لصفِّ الكلام وإلخ. إنما العِبرة في قياس الشعر – بل الخلق عمومًا – بحجم القَدَر الذي يصارعه! ولا ألعب هنا على اللغة، فالالتباس مقصود: لأن الخلق يصارع القَدَر، كما أن القَدَر، على الرغم من مظاهره غير العابئة أو قناع اختفائه، هو أيضًا، هو خاصة، هو دائمًا، يصارع الخَلْق.

إن إغراء السهولة الذي تلوِّح به قصيدةُ النثر إنْ هو إلا سراب، أكثر ما يشبه سرابَ الانخداع بسهولة الحرية. ومرة أخرى، لا أستعمل التشبيه مصادفة، بل هو مفروض تبعًا لقاعدة السبب والنتيجة. فقصيدة النثر بنتُ الحاجة إلى الحرية، والحرية النثرية هذه حرية انعتاق من قوالب وحدود أكثر بكثير مما هي حرية قول أيِّ شيء نريد بأيِّ شكل نريد. ولأنها حرية الانعتاق من العبودية، فسرعان ما تلمَّست أشكالاً وضوابطَ من نوع آخر، من صميم التجربة الجديدة، تقيها تشوُّهات الفوضى. ولا أقاوم هنا استعمال تشبيه غريب لمحاولة وصف العلاقة التي تربط قصيدة النثر بصاحبها وصاحبها بقارئه وقارئها بها: أراها علاقة جدلية، سادية–مازوخية، طرفٌ فيها يقسو وطرفٌ يلين.

* * *

ومع هذا، مع هذا، ستظل الأوزانُ المعروفة مرغوبةً لأن إيقاعاتها استراحة للوجدان ونزهة راقصة للذاكرة والقلب، ولأن في إتقانها براعة تنتزع الإعجاب. وكم يحتاج الإنسان إلى الإعجاب بما لا يستطيعه شخصيًّا! ففي هذا ما يريحه في مقعد التلقِّي، يُطرِبُه ويهدهده ويحمله على أجنحة النغم السائغ إلى الضفاف الهنيئة.

ستظل الأوزانُ مرغوبةً وقبلةَ أسماع الكثيرين، وربما الأكثرية، بِمَن فيهم أحيانًا العديد من شعراء النثر. ستظل مادامت الحاجة إلى الرقص المضبوطِ الإيقاعِ حاجةً للذاكرة والحواس، كما هي حاجة للجسد بأعضائه جميعًا.

لا أعرف إنْ كان أحدنا في زمن الاندلاع الأول، أو ردِّ الفعل، قد قال مرَّة إنه يريد بقصيدة النثر إلغاء الوزن. ربَّما. لكنَّ الحقيقة هي أن قصيدة النثر لم يَخْلقْها تحدِّي الإلغاء، بل حاجةٌ مطلقة إلى الانوجاد. حاجةٌ بدوافع وعوامل وعناصر كثيرة، ولَّدها الانفجارُ بين كبت الماضي ونداء الحياة. حاجة إلى التمرُّد الكياني والتعبيري، وحاجةٌ إلى لغة وفيَّة. حاجةٌ إلى نبش تراب الكتابة حتى جذوره الخفيَّة الرطبة في أديم الشعور. حاجةٌ إلى الانبثاق لا تخضع نتيجتُها إلا لامتحان القدرة على الصمود بعد الانبثاق.

هل أردنا، من حيث لا ندري، إعادة ربط صلةٍ ما لا نعرفها بنثر عربيٍّ قديم يقال إنه لم يكن موجودًا، وبعض الظواهر، فضلاً عن عقلنا الباطن، يومئ لنا بأنه كان موجودًا؟ أم كانت فقط حركةَ حداثةٍ صافية، أرادت اللقاء بإيقاعات العصر والعالم، ولم تذكر بعض الجذور المحتمَلة لها في التراث إلا من باب التشنُّع؟

على كلِّ حال، من جهة، كائن مستقرٌّ ومرغوب وشعبي هو الوزن. ومن جهة أخرى، كائن متمرِّد وشقي ومبهم هو قصيدة النثر.

زواج شرعي، في وجهه علاقةٌ غير شرعية.

الحلال والحرام: واحدهما يستدعي الآخر.

الحرام يفقد نكهته الانتهاكية إذا تلاشى الحلال، والحلال يصير موتًا إذا لم يكمن له الحرام.

وهكذا نحصل على نوع جديد من التعايش الأدبي نستطيع أن نسمِّيه تعايش الخير والشر، الجريمة والعقاب، آدم القانع بمصيره، وآدم الآخر الرافض مصيره، وطبعًا حواء، الزوجة العاقلة، وحواء الأولى، ليليت العفريتة، المتمرِّدة التي فضَّلت حرية اللعنة، أو لعنة الحرية، على دموع الاستقامة وقداسة الأمومة وتاج الآخرة.

* * *

أيُّها الكرام،

هل يكره الخالق الخليقة؟ إذا أجبنا عن هذا السؤال بنعم، نفهم لماذا الموت. إذا أجبنا بلا، يتعاظم اتهامُنا للخلاَّقين: فإنْ كانوا يحبون خلائقهم فكيف يتركونهم يموتون؟! وإنْ كانوا يعجزون عن حمايتهم فلماذا يخلقونهم؟!

وقد يكره الخلاَّق خلائقَه لسببين على الأقل: الأول حسدًا منها إذا رآها وقد ابتهجت بوجودها أكثر مما يحتمل، والآخر تبرُّمًا منه بالمقلِّدين إنِ اعتبر أن مخلوقاتِه تستنسخه.

والخلاَّق معذَّّب في كلِّ الأحوال. فإنْ هو لم ينجب سلالة، يُصلَب على عزلته. وإنْ أنجب، يُصلَب على حرمانه صفةَ الوحدانيَّة.

وخلاصُه ما كان سيكون إلا ببقائه مغلقًا، يُعفيه عقمُه من النَدَمَين.

* * *

كلُّ تكوين إنما ينبثق من حلم. وما ينبثق من التكوين قد لا يكون حلمًا أو تحقيق حلم. ومرَّات، من التكوين تنبجس الكوابيس. وذلك هو أحد آلام الأحلام. الحلم كالحرية كالحبِّ: إما تأخذ به وبكلِّ نتائجه، وإما تعتذر منه وتستقيل. الحلم لا يرحم. ولستَ أنت مَن يحدِّد ثمنه. لا أعرف مَن. ولكن لستَ أنت.

لا يقتحم أحدٌ ميدانًا إلا وفي قرارة نفسه رغبةٌ بأن يكون البادئ والخاتم. حتى ولو تظاهر بالعكس. أتحدَّث هنا عن الخلاَّقين، لا عن الأنواع. الأنواع تتعايش، ولكن بذكائها الخاص، لا بإرادة خلاَّقيها.

أفظع ما في الأمر ليس مقدار التبجُّح ولا شغف السلطة ولا حمَّى الإلغاء عند الخلاَّقين. أفظع ما في الأمر أن القَدَر يشاء، بين مفترق وآخر في التاريخ، أن يحقِّق بعضُ المقتحمين هذا الحلم، وغالبًا بعد موتهم، فيكون للبشرية، مثلاً، سوفوكليس وأفلاطون وشكسپير ودانتي وميكلانجلو وداڤنشي وموتسارت وڤان غوخ وبيتهوفن وبودلير ودوستويڤسكي ونيتشه... هؤلاء، وغيرهم من طينة مشابهة، حلموا وكوَّنوا، وإنْ كانوا قد تركوا الحلم مفتوحًا فإنما أغلقوا التكوين. كيف؟ بوحشيَّة إبداعهم. وحشيَّة ترغب في التقليد، ولكنها لا تقلِّد. وحشيَّة طبعت الزمنَ كما طبع الإنسانُ الأول الأرض والبشر حين انبثق. ونحن، إذ نغبط هذه الوحوش الذهبية الإلهية، فليس فقط لتركها لنا جمالاتٍ توقف قليلاً سيرَ الموت فينا، بل لأننا نحبُّها أو نكرهها ولكننا لا نستطيع أن ننتسب إليها إلا كعشَّاق أو كارهين، لا كأنداد، ولا حتى كمقلِّدين.

ولكن أنَّى لنا، نحن الأقزام، مثل هذا المصير الرائع المروِّع؟ لقد حُكِمَ علينا، وقد سربلونا بتسمية "الروَّاد"، أن نفتح الأبواب ولا نستطيع إغلاقها. هل يؤلمنا هذا الوضع؟ يؤلم بعضَنا بالتأكيد، إذا توكَّلنا على نوازع النرجسية. ويؤلم بعضَنا الآخر إنِ اعتبرناه، أو اعتبر هو نفسَه، المرجع الأكبر. وفي هذا ما فيه من أنانية الأبوَّة التي لا ترى خيرًا في الأبناء إلا لأنهم يذكِّرونها بنفسها، وهي كانت تريد لنتاجها أن يكون مستودعها الأخير. وضعٌ مؤلم لِمَن ينسى أنه هو أيضًا كان طارئًا ودخيلاً قبل أن يغدو مقيمًا وأصيلاً. ومؤلم لِمَن يكره العودات، ولِمَن يكره البدايات إلا على يد ذاته، ولِمَن يكره أن يضيف إليه أحد – فكيف بِمَن يتجاوزه أو يطويه؟!

هذا الوضع المؤلم، أنا شخصيًّا عرفتُه. عرفتُه من زمان. ويومها لم أكن قادرًا أن أحبَّ من الشعراء والأدباء إلا مَن لا يشبهني في شيء. كنت أغترب بواسطتهم. أهرب. كان ذلك علامة مألوفة لدى جميع كارهي ذاتهم.

لم أنقلب من هذا الموقف إلى عكسه. كلُّ ما حصل هو أنِّي، بالإضافة إلى استمتاعي بقراءة اللامشابهين، تعلَّمت أن أكتشف: أن أكتشف جميع مَنْ تتاح لي مطالعتُه من دون حبٍّ جاهز ولا بغض جاهز، بل بملاءة ذهنيَّة ونفسيَّة يطغى عليها ميلٌ إلى الإعجاب وتعطُّش إلى الفرح بالموهبة أو النبوغ فرحي بالنعمة وكأنَّها مُنِحَتْ لي.

نحن الأقزام، هذه مكافأتنا. نجدها هنا، على حياتنا، وفي أبنائنا وأبناء سوانا ممَّن تخطَّانا بعضُهم. ونريد لغيرهم لا أن يتخطَّانا فحسب، بل أن يدفننا دفنًا ذات يوم.

* * *

شيء يجعلنا لا نرغب في القيام من أمام فيلم سينمائي، من أمام شريط متسلسل لا ينتهي إلا ليبدأ تخديرُ شريط جديد واستسلامُنا الكلِّي إلى براثن أحضانه.

عندما كنتُ طفلاً، كنت أبكي في صالة العرض حين ينتهي الفيلم، وأتشبَّث بالمقعد رافضًا الانصراف، ظنًّا منِّي أن بقائي سوف يعيد الحلم!

هذا الحلم هو نفسه ما يَعِدُنا به الفن، والشعر، وما تعطينا إيَّاه السينما بسخاء لا يكدِّره أبدًا طابعُها الصناعيُّ ولا حسابُها التجاري. هذا الحلم، هذا التهرُّب من قَدَرنا ورعبنا، طلبناه من الشعر، كما طلبنا منه أن يكون سلاحنا عند الاضطرار إلى المواجهة مع تلك الوحوش أو أولئك الآلهة. كلا الفرار والصراع هما في أساس قرعنا لأبواب النثر. لقد كانا كلاهما منذ فجر التعبير، طبعًا. ومنذ فجر التعبير وأساليبُ هذا التعبير تتحرَّك وتتغيَّر تبعًا للحياة. وهذا هو أيضًا ما أحسسنا بالحاجة إليه في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، عندما راحت نداءاتُ الداخل وعواملُ الخارج تستحثُّنا على اكتشاف أثوابنا الجديدة، وصناعة مفاتيحنا الخاصة، والدخول بخُطانا نحن، لا بخُطًى مستعارة، إلى حقول لم نعرف، والأمل أن نظلَّ لا نعرف، أين تؤدي، شرط أن يبقى الدافعُ إلى السير عليها هو تلمُّسُ لحم الروح، وتجرُّعُ شراب لحظةٍ تُصعِدُنا كالأولاد العابثين فوق ظهر الموت، وعدمُ إحناء الظهر وحسب، بل الظهر والرأس واللغة والأرض، إلا لشيء واحد، لشيء واحد يتكرَّر ولا يتكرَّر، يتكرَّر ويظلُّ معلومُه مجهولاً، يتكرَّر ويظلُّ هو المفاجأة، شيءٍ واحد يضع حدًّا لحرب الخير والشر، شيءٍ واحد هو فضيحة الفضائح وشريعة الشرائع، شيءٍ واحد أجمل من الجمال، شيءٍ واحد هو الحب.

* * *

كان غوته يقول: "الشعر هو الخلاص." وقال دوستويڤسكي: "الجمال سيخلِّص العالم."

هذا السباق إلى الخلاص، أريد أن أختم تحت رايته.

وبعيدًا عن الأنواع والأجناس، ومعارك القديم والجديد، وجهود المعبِّرين في البحث المتواصل عن لغة أكثر أمانة في تقمُّص التجربة، اسمحوا لي أن أعقد أمنية.

أنا، صاحب الهدم والصلاة، أتطلَّع، وقد أَضنَيتُ وأُضنِيتُ، إلى كتابة تشفي.

لا أقصد كتابةً تُلهي، وأنا أحبُّها، وفي مرحلة طويلة ما هربت إلا بها.

بل أقصد الكتابة التي تشفي، التي تُنقذ، التي تخلِّص، كما تشفي المعجزةُ وتنقذ وتخلِّص.

لا أتنكَّر لكتابة الغضب واليأس، ولا لكتابة الهدم والإطاحة، بل أتبنَّاها، وأنا من جنودها، وسوف تظل، كما تظلُّ كلُّ كتابة صادقة وحيَّة، ضروريةً ضرورةَ الحقيقة وضرورة الحياة وما فوقهما.

لا تنكُّر ولا انقلاب، بل إضافة. إضافة نعمة. نعمة تنير الليل الكوني كما تنير الليل الفردي.

إن للبشر في ماضي الكتابة روائعَ حقَّقت معجزات.

والكلمة في الأساس معجزة.

وما أتمنَّاه هو أن يستعيد الكاتب، شاعرًا كان أم روائيًّا أم فيلسوفًا وناقدًا وخطيبًا، أن يستعيد لا سلطة التكوين التي هي له فحسب، بل سلطة الشفاء من أمراض الوجود.

في مطلع الألفية الثالثة، وعلى هامش حديث الشعر الذي هو جوهري دائمًا، ومن هذا المنبر العريق في التفاؤل، أدعو الكتابة إلى وليمة.

إلى وليمة القوَّة التي تغلب البؤس، تغلب اليأس، تغلب العجز، وتغلب الاختناق.

إلى وليمة الخلاص بسحر المعجزة الشعرية.

والمعجزة، أيها الكرام، هي دائمًا شعرية.

*** *** ***

عن النهار، الاثنين 22 أيار 2006

 

في "وثيقة" أنسي الحاج حول قصيدة النثر

 

حياة أبو فاضل

 

هل حدث أن تلمَّستَ وجهَ البيضاء قبل أن تخطَّ فوقها كلامًا لا هو بنثر ولا بشعر؟ هذا لا يمر إنْ أنت أوكلت أمرك إلى الكومپيوتر حيث علاقة الملامسة مفقودة. الأقلام والأوراق أبناء نبض الزمن الذي لا هو ماضٍ ولا مستقبل، بل إنه "اللحظة". وما إن تنتهي من الكتابة حتى لا تعود تحسب مَن يرث مَن في عالم القصيدة. فأنت لا تقبض من الزمن سوى على "الآن". وهذا حال الكلام الذي يخرج من خيال الكاتب إلى حيث لا يدري. فالقرَّاء كُثُر، جُدُد كلَّ لحظة. وما كُتِبَ من آلاف السنين جديدٌ لِمَن يقرأه للمرة الأولى.

و"وثيقة" أنسي الحاج حول قصيدة النثر، التي أثرى بها مؤتمر قصيدة النثر في الجامعة الأميركية، هي في حدِّ ذاتها قصيدة فوق الشعر وفوق النثر. هي امتداد وجداني جديد للنماء الأدبي بالعربية. يحمل هواجس الشاعر داخل تيار وجودي ما توقف عن المدِّ مذ عملية الخلق الأولى بعناصرها المادية: الماء والهواء والنار والتراب، والإنسان من بعدُ، إلى أول قطرة إبداع سقطت من مخيلته لتستقرَّ في ذاكرة كونية تحفظ كلَّ ما يصدر عنه ليُدرِك، في زمن ما، كيف ساهم في عملية نماء الكون، كون مسؤول هو عنه كما الخالق، ويتبادل الطاقة مع كلِّ ما فيه.

وهذا ينسحب على سائر مجالات الإبداع التي لا تُحَدُّ بالفنون الجميلة كلِّها. إذ إن هناك فنونًا "غير جميلة" تثمر جديدًا وتسير إلى جديد: في فصل الحروب، مثلاً، في فصل السلاح والذرَّة، وفي فصول السياسة والقانون والحكم، حيث الكذب والخداع والظلم في كلِّ زمان ومكان، على عكس ما يشاع، وفي فصل المؤسَّسات كلِّها، حيث التنافس الشرس الآتي من زمن العصر الحجري.

والشاعر أنسي الحاج تخطَّى في كلمته تشريح تركيبة قصيدة النثر، وقال إنها نبتت بدافع طاقة التطور والتجديد، لا التقليد، وإنها ليست بأفضل مما جاء قبلها أو سيأتي بعدها، بل هي القارب الخيالي الذي ينقل من ضفة إلى ضفة، كما الفنون كلها.

وأكثر ما "خضَّني" في كلمة الشاعر "الوثيقة" سؤالُه عن علاقة الخالق بالخليقة: هل يكرهها فلا يحميها، لذا هي معرضة للزوال؟ الموت المتربص بكلِّ مظاهرها، هل أوقفَ عمليةَ النماء والاستمرار؟ كلا، أيها الشاعر الكبير! فـ"الموت"، كما في ورق الـTarot الذي تعرفه جيدًا، باب للتجديد وللتغيير، غياب عن كوكب لظهور في مكان آخر على موجة ذبذبات مختلفة. وربما هناك عودة.

وهذا لا يعني أن كلَّ خلية من خلايا الكون لا تحمل بذرة فنائها بداخلها لتعود وتتجدد كما خلايا الجسد. وهذا لا يعني أن الحب، إكسير السلام في عملية بناء الكون، لم يعبُر من خيال الخالق إلى خيال الخليقة التي هي منه حين قرَّر كسر عزلته، ولو إلى حين، خارج مفهوم الزمن. وهذا لا يعني أن فعل الاستمرار، كما نعيه، سيدوم إلى الأبد: فما من أبد، هناك فقط تحوُّل من حال إلى حال.

في مطلع الألفية الثالثة، هل هناك مَن سمع دعوة أنسي الحاج إلى وليمة الكلمة المنقذة، الكلمة المعجزة التي تأخذك إلى الخلاص؟ الخلاص مِمَّ، يا سيدي؟ وهل البؤس والعجز واليأس والاختناق إلا صفات سالبة في عالم نسبيٍّ شرُّه عندك خيرٌ عند غيرك؟

لو نرجع أطفالاً في صالات سينما، لأدركنا أن ما نشاهده وما نمر به وما ننجزه في عالم الإبداع لا يتعدى مَشاهد لمحطاتٍ تأخذنا إلى مساحاتِ وعي جديد ستنتفي معه الثنائية، فننفتح على اختبار آخر قد لا يحتاج أبدًا إلى كلمات تُراقِصُ أوزانًا، بل طائرة، مثل فراشات نيسان، لا يشدها ثقلٌ ولا وزن.

*** *** ***


[*] النص الكامل للكلمة التاريخية التي افتتح بها الشاعرُ أنسي الحاج أعمال "مؤتمر قصيدة النثر" (الذي نظَّمه برنامج أنيس المقدسي للآداب في الجامعة الأميركية ببيروت من 19 إلى 21 أيار 2006)، ملقيًا فيها الضوء على الخمسين عامًا الفائتة منذ ظهور قصيدة النثر في لبنان والعالم العربي، فاتحًا بها آفاقا شعرية جديدة. نعيد نشر هذه الكلمة، كما ننشر تعقيبًا عليها للشاعرة حياة أبو فاضل، عضو أسرة تحرير معابر، تعميمًا للفائدة. (المحرِّر)

 

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

                              

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود