قيامة السيِّد المسيح

في الإنجيل والحياة المسيحية[*]

 

الأب يوسف درَّة الحداد

 

في عالمنا العربي، كما في عالم النقد الغربي، شبهاتٌ على قيامة السيد المسيح، تتفاوت ما بين نفي الواقع الملموس وبين تفسير معناه في الدعوة المسيحية.

وقيامة السيد المسيح – بعد صَلْبه – هما الحدثان الضخمان اللذان بهما تحدَّتِ المسيحيةُ، منذ نشأتها، الدينَ والعقل. فقد اعتبرت المسيحيةُ كلها، منذ نشأتها، أن قيامة السيد المسيح هي برهانها الضخم، – إذ هو الحدث التاريخي الفريد المعجز في تاريخ البشرية، – فركزتِ الحياة المسيحية عليه وجعلتْه عيدًا أسبوعيًّا، كلَّ يوم أحد، للشهادة له، وللحياة منه.

ونحن، في هذه العجالة، نوجز ما نفصِّله في سيرة المسيح وسره الذي نعدُّه للطبع. إن الشبهات تقوم على الحدث نفسه وعلى كيفيته. فالحدث لم يشاهده أحد، بل هناك تحقيق أمر واقع: فراغ القبر من الجسد، والقبر تحت الحراسة المشددة، ومختوم بالأختام الرسمية. وهذا ليس مشاهدةً للحدث نفسه تصح الشهادةُ له. وكيفية الحدث تُستنتَج من رؤية المسيح في ظهوراته: جسم يحضر ويغيب كالأرواح، غير خاضع لحدود المادة وقيودها، فيه وفي غيره؛ وهو بعيد عن الواقع المحسوس في العالم المشهود. فتضيع العقيدة بين الواقع والوهم.

ويتوهمون أن تلك الشبهات، في الحدث وفي كيفيته، لم تَعرِض إلاَّ لنا اليوم؛ وفاتَهم أنها عرضت للعقل اليوناني الذي يكتب بقلم لوقا المؤرِّخ وبولس المتكلِّم (اللاهوتي).

1. الشبهة على الحدث نفسه

تأتي الشبهة على الحدث من الإيجاز المفرط في الإنجيل بحسب مرقس. فهو لا يخبرنا في خاتمته (16: 1-8) إلاَّ بحديث النساء اللواتي ذهبن، على عادة الشرقيين، لزيارة الميت، فوجدن، على قولهنَّ، القبرَ فارغًا؛ وإذا بملاك في هيئة شاب، جالس في القبر نفسه، يخبرهن بأن المسيح قد قام؛ فما عليهنَّ إلا أن يخبرن "تلاميذه وبطرس" بذلك، وبأنه يسبقهم إلى الجليل حيث يرونه. وهنا ينتهي الإنجيل؛ أو سقطت خاتمته، فاستعاضوا عنها بخاتمة قانونية (16: 9-20)، وهي عندهم ليست من الأصل، فلا يُعتد بـ"صحَّتها". إنها موجز لما وَرَدَ في الإنجيل بحسب لوقا. وبما أن الإنجيل بحسب مرقس هو الشهادة الأولى، – وعليها يعوِّلون، – يقول أهل النقد: هل الخبر، كما يذكره الإنجيل بحسب مرقس، يحمل دلائل الإثبات لحدثٍ واقعيٍّ مشهود؟ أو يقوم الأمر كله على رواية نساء، تحت وطأة الحزن والوهم أمام قبرٍ خال، ووعد برؤية المسيح "في الجليل"؟ ألا يقتضي العقل منا أن نقف من ذلك موقف الرسل الصحابة الذين "أبَوا أن يصدِّقوا" (مرقس 16: 11).

ولكن الخطأ الأساسي الذي يقع فيه أهل النقد إنما هو قَصْرهم الشهادةَ التاريخية على خاتمة مرقس (16: 1-8) من دون شهادات العهد الجديد كلِّه. فهم يرون أن الإنجيل بحسب متى (28: 1-7) يضيف إلى شهادة مرقس ظهورَ المسيح للنسوة وهنَّ راجعات من زيارة القبر (28: 8-10)، وظهوره "للأحد عشر في الجليل على الجبل الذي عيَّنه يسوع لهم" (28: 16-20)؛ ومن ثَمَّ فليس في الإنجيل بحسب متى، في تقديرهم، وقائع ملموسة تاريخية تبرهن على صحة الحدث الضخم.

"القيامة" (بريشة كارافاجيو، 1612)

ولكن فاتَهم أن التاريخ ليس عمليةً حسابية أو برهانًا منطقيًّا فلسفيًّا؛ بل يقوم التاريخ على الشهادة الثابتة. وهل أثبَتُ من شهادة القبر الخالي، وهو مختوم، وعليه الحراسة الرسمية من السلطات المدنية والدينية؟ وشهادة شهود العيان – الرسل الصحابة – برؤيته حيًّا بعد موته – مهما صَعُبَ علينا تحقيق الكيفية؟ وفاتَهم أيضًا الشهادة، بوجه سلبي، التي ينقلها الإنجيل بحسب متى: فقد تيقن السنهدريم الإسرائيلي من صحة الواقعة، بشهادة الرسل الصحابة له ودعوتهم به، فرَشَوا الحرَّاس الرومانيين ليشيعوا بين الناس أن "تلاميذه جاؤوا ليلاً وسرقوه ونحن نيام" (28: 11-15). وتهافُتُ إشاعتهم ظاهر. فما الفائدة من سرقة ميت مصلوب، وقد انهارت آمالُ أتباعه كلها بصلبه؟! وهل يصدِّق العالمُ أسطورةً سخيفة كهذه؟! لكن إطلاقها يشهد للحق.

"يسوع يتراءى لمريم المجدلية" (منمنمة في مخطوط من العصر الوسيط)

إن الأسلوب الغنوصي، في رواية الإنجيل بحسب يوحنا، ألحقَ شبهةً على تاريخيَّته. ولكن واقعها أرغم العلماء على الإقرار بـ"تاريخيةٍ" فيه أعمق وأشمل من الأناجيل المؤتلفة الثلاثة. فينقل بتفصيل المشاهدَ الثلاثة التي عاين فيها أتباعُ المسيح رجوعَه إلى الحياة، ومعايشتَه لهم مدةً من الزمن، قبل ارتفاعه إلى السماء: كيف ظهر للمجدلية مكافأةً لها على إسراعها قبل الجميع لزيارة قبره، وكيف حدَّثها حديث الأحياء (20: 11-18)؛ وكيف ظهر المرَّة الأولى للرسل الصحابة، و"الأبواب موصدة خوفًا من اليهود"، وكيف أراهم الشهادة الحسية التي لا يمكن لهم أن يكذِّبوها أو يتوهَّموا فيها: "أراهم يديه وجنبه، ففرح التلاميذ لمشاهدة الرب"، وأعطاهم سلطان الغفران يعيشون منه عِبْر الدهور (20: 19-23)؛ وكيف ظهر لهم ثانية، وقد سمع في الغيب جحودَ توما لبُشرى رفاقه، "فوقف في الوسط وقال: السلام عليكم! [كما كان يحيِّيهم على حياته بحسب البشرية] ثم قال لتوما: هاتِ إصبعك إلى هاهنا وانظر يديَّ، وهاتِ يدك وضَعْها في جنبي، ولا تكن جاحدًا بل كن مؤمنًا"، وكيف صُعِقَ توما للرؤية، وقد تحقق بنفسه حقيقةَ قيامة المسيح، ومعرفته للغيب، فاستيقظتْ في وعيه تعاليمُ المسيح عن حقيقة شخصيته، "فقال له: ربي وإلهي!" (20: 24-29). وأضاف إليها مشهدًا آخر يُظهِر مخالطةَ المسيح الحيِّ لهم بعد موته، وهو يهبط عليهم من وراء الغيب، يهيِّئ لهم طعامًا، ويأكل منه معهم، ثم يخبرهم بمصائرهم (الإصحاح 21). تلك شهادة الواقع التي فيها يمارون!

2. كيفية القيامة

وكيفية القيامة هي، بعد الحدث الضخم نفسه، مصدرُ الشبهات. وكأن أهل العلم والنقد استفاقوا لها وحدهم اليوم. وفاتَهم أن العقل اليوناني، المائل بوثنيَّته إلى الجحود أكثر منا اليوم، أُرغِمَ على القبول بحقيقة قيامة المسيح. نجد الوثائق على ذلك عند لوقا وبولس، ربيبَي الثقافة اليونانية والرومانية والشاهدَيْن فيها بدعوة القيامة.

كان لوقا طبيبًا وأديبًا من أنطاكية العظمى في سورية، العاصمة الثالثة – بعد أثينة والإسكندرية – للثقافة الهلِّنستية؛ وفيها اهتدى على يد بولس، فكان رفيقه وطبيبه والأمين على دعوته. فقام بتحقيق تاريخي لسيرة السيد المسيح ودعوته (1: 1-4). لم يكتفِ بما نقله مرقس (لوقا 24: 1-12)، بل أضاف إليه شهادةَ أهل البيت، أبناء عمٍّ المسيح، – هم الذين كانوا به على حياته كافرين – فنقل ظهورَ المسيح لعمِّه قلوبَّا وابنه يعقوب، زعيم أهل البيت والأسقف الأول على المدينة المقدسة، لكن لوقا أغفل اسمه تقيَّةً. ظهر لهما المسيح صباح الأحد حين كانا راجعين يائسين إلى بيتهما في عَماوس، إلى الشمال الغربي من أورشليم، وقد انهارت كل آمالهما مع صلب المسيح وموته وقبره. ولا جرم أن الفصل الذي ينقل خبر ظهور يسوع لهما (24: 13-35) هو من الأدب الرفيع والپسيكولوجية الطبيَّة العميقة. سار يسوع الحيُّ بعد الموت معهما، يتحدثون في المأساة المذهلة. والصدمة الكبرى في إيمان اليهود أن المسيح حيٌّ خالد لا يموت (يوحنا 12: 34)؛ فكيف صُلِبَ ومات، وهو يدَّعي أنه المسيح الموعود؟! فشرح لهما، من التوراة و"النبيِّيم" (كُتب الأنبياء)، "مما يختص به في الأسفار كلها": فبناءً عليه، "كان على المسيح أن يكابد هذه الآلام ويدخل مجده". ولمَّا أرغما يسوعَ على استضافتهما، بحسب العادة الشرقية، وحَضَرَ الطعامُ، فعل أمامهما كما كان يفعل دائمًا في حياته: "اتكأ معهما، وأخذ الخبز، فبارك وكسر وناولهما. فانفتحتْ أعينُهما وعرفاه، ولكنه غاب عنهما"، كما حضر بينهما. فرجعا للحال إلى أورشليم يخبران التلاميذ بما جرى لهما، فبادروهما بالبشرى: "لقد قام الرب وظهر لسمعان." ظهر يسوع قبل الجميع لزعيم الصحابة، سمعان بطرس، ولزعيم أهل البيت، يعقوب، وأبيه قلوبَّا.

"العشاء السري في عَماوس" (رِمبرانت، 1648)

ولكن حسَّ لوقا الطبِّي يظهر في قصة ظهور يسوع للرسل الصحابة (24: 36-50)، فلا ينقلها كما نقلها الآخرون، بل يعطي القرائن النفسية والحسِّية على حقيقة قيامة المسيح. فينقل كيف توهَّم الصحابة أولاً أنهم "يرون روحًا"، أي خيالاً. فلم يكونوا مستعدِّين لتقبُّل الوهم والإيحاء. فيقول يسوع لهم: "لِمَ هذا الاضطراب؟ ولِمَ تزدحم الأوهامُ في قلوبكم؟" ويقدم لهم البرهان الذي لا يُرَد على حقيقته: "انظروا يديَّ ورجليَّ: فإني أنا هو! جسُّوني وانظروا! فالروح لا لحم له ولا عظم كما ترون لي – وإذ قال هذا، أراهم يديه ورجليه." إنه هو المسيح المصلوب عينه! ففرحوا برؤيته حيًّا. وكپسيكولوجي خبير يقول لوقا: "وإذ كانوا بعدُ غير مصدِّقين من الفرح ومنذهلين، قال لهم: هل عندكم هاهنا طعام؟ فقدَّموا له قطعة من السمك المشوي [وهو طعامهم المفضل، إذ كان أكثرهم صيَّادين]، فأخذ وأكل أمامهم." وهو، في نظر الطبيب المحقق، البرهانُ الحسِّي الملموس الذي لا يُرَد على حقيقة قيام يسوع من الموت؛ وهو البرهان الذي يعطيه القرآن نفسه على حقيقة بشرية المسيح ونكران إلهيَّته: فالمسيح وأمه "كانا يأكلان الطعام" (المائدة 75). فأكلُ الطعام، إذن، هو برهان البشرية الحقيقية التي تدفع كلَّ وهم، كما أن قيامة المسيح تثبيتٌ لكلِّ علمٍ بشهادة المسيح لإلهيَّته.

ويأتي بولس، فيخاطب العقل اليوناني بكلام العقل والواقع معًا. إنه يبني الدعوة المسيحية على قيامة المسيح. وبين المهتدين أنفسهم، من الكورنثيين، مَن ينكر "قيامة الأموات" (1 كو 15: 12) انطلاقًا من الفلسفة اليونانية بخلود الروح وحدها.

فينقل لهم أولاً البلاغ الرسولي الذي سلَّمهم إياه كما تسلَّمه هو نفسه من شهود العيان: "فإني قد سلَّمت إليكم ما قد تسلَّمته أنا نفسي: إن المسيح قد مات من أجل خطايانا، على ما في الكتب، وإنه قُبِرَ وقام في اليوم الثالث، على ما في الكتب." (1 كو 15: 3-4) تلكما هما الشهادتان المسيحيَّتان في البلاغ الرسولي. والبرهان فيهما اثنان: برهان النبوَّة، وبرهان الواقع التاريخي الذي تمَّ "على ما في الكتب". وبرهان الواقع التاريخي ثابتٌ بالوقائع التي تشهد بها أمَّة، لا أفراد. فالمسيح، بعد موته وقبره، "قام في اليوم الثالث، وتراءَى لكيفا [بطرس]، ثم للاثني عشر، ثم تراءَى لأكثر من خمسمائة أخ معًا، – أكثرهم باقٍ حتى الآن، وبعضهم رقدوا، – ثم تراءَى ليعقوب، ثم لجميع المرسَلين". فكان ظهوره لأفراد وجماعات بلغت مرة خمسمائة تلميذ؛ فلا يصح عليهم جميعًا الوهم الفردي أو الجماعي، وإلاَّ وَجَبَ الشك بشهادة كلِّ إنسان. وكأن بولس فطن إلى هذه الشبهة، فختم البلاغ الرسولي بشهادته الشخصية: "وآخر الكلِّ، تراءَى لي أنا أيضًا، كأنما للسقط" (1 كو 15: 5-8)، لأنه يحسب نفسه، بعد اضطهاده للمسيح والمسيحيين، غير أهل لأن يكون من تلاميذه وشهوده.

ثم ينقل لهم ثانيًا كيفية القيامة، موضوع الشبهة الأكبر (1 كو 15: 35-53). يبدأ بالمشهود أن الأجسام على أنواع؛ حتى يصل إلى التمييز بين "الجسد الحيواني"، الذي نعيش بموجبه، و"الجسد الروحاني"، الذي نقوم به في اليوم الآخر. فالجسدان واحد بالماهية، ومختلفان بالكيفية. يتم ذلك كما في مثل حبَّة الحنطة أو غيرها من الحبوب: "يا جاهل! إن ما تزرعه أنت لا يحيا إلاَّ إذا مات. ما تزرعه أنت ليس هو الجسم الذي سيكون، بل مجرد حبة [...]؛ إلاَّ أن الله يؤتيها جسمًا على ما يريد. فلكلٍّ من البذور جسمُه المختص به." فهو الجسم الأول عينه، ولكنَّه غيره بما صار إليه. ويطبِّق المثل: "فهكذا قيامة الأموات: الجسم يُزرَع بفساد ويقوم بلا فساد؛ يُزرَع بهوان ويقوم بمجد؛ يُزرَع بضعف ويقوم بقوة؛ يُزرَع جسمًا حيوانيًّا ويقوم جسمًا روحانيًّا"، أي غير خاضع لحدود المادة وقيودها.

وقد نتساءَل: من أين جاء بولس بهذه العقيدة في "الجسم الروحاني" بالقيامة؟ إنه شاهَدَه بأمِّ عينه في ظهورات المسيح له. ونقدر أن نقول أيضًا: بوحي خاص من الله، كما في قوله: "وها إني أكشف لكم سرًّا: لن نرقد كلُّنا، ولكن سنتحول كلُّنا"، أي مَن مات ومَن كان لا يزال حيًّا في اليوم الآخر.

فالقيامة، إذن، تحوُّلٌ من "جسم حيواني"، "ترابي"، إلى "جسم روحاني"، يحيا "بحسب الروح". وبناءً عليه، كانت نظرية بولس في حياة السيد المسيح الثنائية: في بشريته عاش "بحسب الجسد" ونواميسه المادية؛ وفي قيامته هو "المسيح بحسب الروح"، يحيا بـ"جسم روحاني"، هو جسمه الأول عينه، وهو غيره: تحوَّل بالقيامة من حال إلى حال: "إذ إنه لا بدَّ لهذا الجسم الفاسد أن يلبس عدم الفساد، ولهذا الجسم المائت أن يلبس عدم الموت."

غير أن هذه الكيفية لا تقع اليوم في عالم المحسوس والمشهود، فتظل عند أهل الشك موضع شبهة. ولكن هذه الشبهة لا تقوى على ردِّ حقيقة قيامة السيد المسيح، وحقيقة كيفيِّتها، كما بيَّنها بولس بالمشهود المحسوس في المسيح، والمُنزَل عليه بالوحي، – وهو غاية المعقول، – كما بيَّنه للعقل الإغريقي، فأذعن وآمَن – وكانوا أهل نقد وعلم أكثر من غيرهم.

3. والدعوة الإنجيلية

ثم إن الدعوة الإنجيلية مبنية كلها على حقيقة قيامة المسيح والإيمان بها. هكذا فهمها بولس بعقله الكبير والوحي الوفير: "إن كان المسيح لم يَقُمْ فدعوتنا إذن باطلة، وإيمانكم أيضًا باطل." ويستنتج: "بل أصبحنا شهود زور على الله، لأنَّا شهدنا على الله بأنه أقام المسيح، وهو لم يُقِمْه." ويستخلص: "أجل، إن كان المسيح لم يَقُمْ فإيمانكم باطل، وأنتم بعدُ في خطاياكم"! والنتيجة الفاجعة، في نظره، بالنسبة إلى الأموات: "ومن ثَمَّ فالذين رقدوا في المسيح [أي ماتوا مسيحيين] قد هلكوا أيضًا"؛ وبالنسبة إلى الأحياء: "إن كان رجاؤنا في المسيح لهذه الحياة فقط فنحن أشقى الناس أجمعين" (1 كو 15: 12-19).

فهذا الموقف الأساسي من الدعوة المسيحية، التي قامت على البلاغ الرسولي باستشهاد المسيح الفدائي وقيامته المُحيِية، يجب أن يجعل المؤمنين والملحدين أو المشكِّكين أبْصَر بحقيقة الحدث التاريخي الضخم الذي قامت عليه الدعوة الإنجيلية والمسيحية – مهما كان من ثغرات في رواية الإنجيل بأحرفه الأربعة: من نقص في الرواية، أو تسلسُل في أحداثها، أو تعارُض ظاهر في وقائعها. فالعقل الناقد يجد شبهاتٍ متى أراد. ولكن لا مجال لشبهة على الإطلاق في قيام المسيحية كلِّها على شهادة الرسل الصحابة، وشهادة أهل البيت، وشهادة معاصريهم من العلماء، أمثال بولس ولوقا وأپلُّس، صاحب الرسالة إلى العبرانيين. فإذا طعنَّا في شهادتهم، وَجَبَ الطعنُ في الشهادة الإنسانية على الإطلاق – والتاريخ كله قائم على الشهادة. حينئذٍ لا يصح منها خبرٌ، ولا دين. ولا ننسَ مقالة پاسكال العظيم: "أنا أومن بشهادة مَن يُستشهَد لإثبات شهادته."

والمسيحية كلها، بملايين أحبارها وعلمائها، تشهد بالإجماع والتواتر، في كلِّ زمان ومكان، نقلاً عن أمَّة شهود العيان، بحقيقة قيامة المسيح وارتفاعه حيًّا إلى السماء، بالتعييد لها كلَّ يوم أحد، على مرِّ الأسابيع والسنين. وشعارها ما نردِّده كلَّ عام في الفصح: "المسيح قام – حقًّا قام"!

*** *** ***

عن المسرة، 58، آذار–نيسان، 1972

تنضيد: نبيل سلامة


 

horizontal rule

[*] نعيد نشر هذا النص، لا لقيمته الجدلية واللاهوتية الاستثنائية، ولا لتبنِّينا هذا النص من حيث العقيدة (فمنظور معابر في المسائل الروحية منظور شمولي تأويلي، وليس تاريخيًّا حرفيًّا)، بل تكريمًا لذكرى المرحوم "الأستاذ الحداد"، الذي كان رائدًا من رواد الحوار الإسلامي–المسيحي في منطقتنا، وتذكيرًا بإسهاماته القيِّمة في هذا الميدان (ولاسيما كتابه القرآن دعوة نصرانية) التي مازالت تنتظر مَن يملك الجرأة على مواصلتها من حيث توقف صاحبُها. نورد بهذا الصدد "الشهادة" الثانية الجديدة التي أضافها الأب الحداد إلى شهادة الإسلام الأولى للحصول على "شهادتين" أرادهما "جامعتين" بين المسلمين والمسيحيين: "أشهد أن لا إله إلا الله وأن المسيح عيسى بن مريم كلمة الله وروح منه". (المحرِّر)

 الصفحة الأولى

Front Page

 افتتاحية

Editorial

منقولات روحيّة

Spiritual Traditions

 أسطورة

Mythology

 قيم خالدة

Perennial Ethics

 ٍإضاءات

Spotlights

 إبستمولوجيا

Epistemology

 طبابة بديلة

Alternative Medicine

 إيكولوجيا عميقة

Deep Ecology

علم نفس الأعماق

Depth Psychology

اللاعنف والمقاومة

Nonviolence & Resistance

 أدب

Literature

 كتب وقراءات

Books & Readings

 فنّ

Art

 مرصد

On the Lookout

The Sycamore Center

للاتصال بنا 

الهاتف: 3312257 - 11 - 963

العنوان: ص. ب.: 5866 - دمشق/ سورية

maaber@scs-net.org  :البريد الإلكتروني

  ساعد في التنضيد: لمى       الأخرس، لوسي خير بك، نبيل سلامة، هفال       يوسف وديمة عبّود